ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل : قد مات ، والله ليرجعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كما رجع موسى ، فليقطعن أيدى رجال وأرجلهم زعموا أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم مات.
وأما عثمان بن عفان رضياللهعنه فأخرس حتى جعل يذهب به ويجاء ولا يتكلم.
وأقعد على رضياللهعنه فلم يستطع حراكا. وأضنى عبد الله بن أنيس.
وبلغ الخبر أبا بكر رضياللهعنه وهو بالسنح فجاء وعيناه تهملان وزفراته تترد فى صدره وغصصه ترتفع كقطع الحرة وهو فى ذلك رضوان الله عليه جلد العقل والمقالة ، حتى دخل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأكب عليه وكشف عن وجهه ومسحه وقبل جبينه وجعل يبكى ويقول : بأبى أنت وأمى طبت حيا وميتا ، ولنقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من الأنبياء من النبوة ، فعظمت عن الصفة ، وجللت عن البكاء ، وخصصت حتى صرت مسلاة ، وعممت حتى صرنا فيك سواء ، ولو لا أن موتك كان اختيارا لجدنا لموتك بالنفوس ، لو لا أنك نهيت عن البكاء لأنفذنا عليك ماء الشون ، فأما ما لا نستطيع نفيه عنا فكمد وأدناف يتخالفان لا يبرحان ، اللهم فأبلغه عنا ، اذكرنا يا محمد عند ربك ولنكن من بالك ، فلو لا ما خلفت من السكينة لم نقم لما خلفت من الوحشة ، اللهم أبلغ نبيك عنا واحفظه فينا. ثم خرج إلى الناس وهم فى عظيم غمراتهم وشديد سكراتهم فقام فيهم بخطبة جلها الصلاة على النبيّ صلىاللهعليهوسلم وقال فيها : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله وخاتم أنبيائه ، وأشهد أن الكتاب كما نزل وأن الدين كما شرع ، وأن الحديث كما حدث ، وأن القول كما قال ، وأن الله هو الحق المبين ... فى كلام طويل ، ثم قال :
أيها الناس ، من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت ، وإن الله قد تقدم إليكم فى أمره فلا تدعوه جزعا ، قال الله تبارك وتعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران : ١٤٤]. وإن الله سبحانه قد اختار لنبيه صلىاللهعليهوسلم ما عنده على ما عندكم ، وقبضه إلى ثوابه ، وخلف فيكم كتابه وسنة نبيه ، فمن أخذ بهما عرف ومن فرق بينهما أنكر ، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) [النساء : ١٣٥] ولا يشغلنكم الشيطان بموت نبيكم ، ولا يلفتنكم عن دينكم ، فعاجلوا الشيطان بالخزى تعجزوه ولا تستنظروه فليلحق بكم.