فارسهم ، فحملوا وحمل الناس حملة واحدة فانتهوا إليه وقد رمى فرسه بنشابة فسب فصرعه وعار ، وأخر عمرا عنه المشركون ، وذلك بعد ما طعنوه ، وإن سيفه لفى يده يضاربهم به.
فلما رأى أصحابه أخذ برجل فرس أسوار فاحتبسه ، وإن الفارسى ليضرب فرسه فما يتحرك ، فلما غشيه الجمع رمى بنفسه وخلا فرسه فركبه عمرو ، وقال : أنا أبو ثور كدتم تفقدوننى ، وثبت عمرو يقاتل فارسا وراجلا ، إذا قاتل راجلا شد مقود فرسه فى وسطه وقاتل.
وتزاحف الناس فقال رجل من المسلمين لرجل من الأنصار : أعرنى ترسك ، قال : ما بى عنه غنى ، ولكن أى أتراس العجم تريد أتيتك به إن شاء الله ، فأشار له إلى ترس مذهب ، فحمل فلم يزل يقاتل حتى خلص إلى صاحب الترس فقتله واستلب ترسه ، فأتى به صاحبه ، فقال : دونك.
وصار الناس إلى السيوف ، فقاتلوا حتى اعتموا وتحاجزوا عند العتمة عن قتلى وجرحى كثير فى الفريقين ، وقتل يومئذ رجل من طيئ يكنى أبا كعب رجلا من المشركين ، وأخذ قلنسوته فلبسها ، وأقبل يعدو به فرسه وهو يقاتل ، فنظر إليه رجل من بجيلة يقال له مضرس ، وهو يقاتل ، فظن أنه من الفرس فطعنه ، فقال : بسم الله ، قتلتنى ، فقال مضرس : إنا لله وعانقه ، فقال : غفر الله لك يا أخى ، فبكى مضرس واحتمل أبو كعب ، فقال سعد : الشهادة لا تقاد ، ولا كل ميتة مظنون غيرها ، ولكن من أحب أخذ الدية ، فكان مضرس يأتيه يعوده فيبكى حتى تبل دموعه لحيته ، ويقول أبو كعب : غفر الله لك يا أخى.
وقال أبو كعب :
لعمرى لقد ثارت رماح مضرس |
|
بعلج هوى فى الصف من آل فارس |
ثم مات أبو كعب بعد أيام من تلك الطعنة ، وصفح وليه عن الدية.
ويروى أنه عرض مثل هذا بعينه لرجل آخر من طيئ ، أيضا ، يقال له : بجير بن عميرة ، وكان أحمر شبيها بالعجم ، فاستلب رجلا من أهل فارس رايته فأقبل بها ، فبصر به رجل من كندة يدعى فروة ، فحمل عليه فطعنه ، فأصاب مقتله ، فنادى بجير : بسم الله ، فاعتنقه فروة ، فأتيا سعدا فقال لهما : إن الشهادة لا ثواب لها فى الدنيا ، ولكن كفوا العجلات.