المعجزة التي تقهر عقولهم ، وتسوقهم إلى التسليم ، لأن بها يتم إخضاع وجدانهم للغيب الإلهي ..
وبما أن هذا القرآن هو معجزة رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، ولم يكن بإمكان كل هؤلاء أن ينالوا معانيه ، ولا أن يدركوا حقائقه ودقائقه ومراميه .. لأن فيهم الكبير والصغير ، وفيهم الذكي والغبي ، وكانوا في أسوأ حالات الأمية والجهل ، والبداوة .. فكان لا بد من الرفق بهم ، وتيسير الإيمان لهم ، وفتح أبواب الهداية أمامهم ..
فاحتاج الأمر إلى وسيلة إقناع ، يفهمها هذا النوع من الناس ـ الذين لا يمكنهم إدراك حقائق القرآن ، والوقوف على مستوى إعجازه التشريعي ، أو العلمي ، أو البلاغي ، أو غير ذلك ..
ولم يكن يمكن تأجيل إيمانهم وإسلامهم إلى حين تحقق بعض الإخبارات الغيبية المستقبلية ، الأمر الذي قد يمتد إلى سنوات كثيرة ، كالإخبار عن غلبة الروم في قوله تعالى : (غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) (١) .. ولا .. ولا .. الخ ..
ولا بد أن تكون وسيلة الإقناع هذه بحيث يدركها ، ويفهمها جميع الناس ، بمختلف فئاتهم ، وطبقاتهم ، وأن تكون في متناول يد أعلم الناس ، وأعقلهم ، كما هي في متناول يد أكثر الناس سطحية وسذاجة ، ولو كان بعمر تسع سنوات للفتاة ، وبعمر خمس عشرة سنة للفتى ..
وقد اختار الله سبحانه أن تكون هذه الوسيلة هي أن تنزل السورة في
__________________
(١) الآيتان ٢ و ٣ من سورة الروم.