المدينة ، هم أهل الطموحات ، وأصحاب النفوذ من قريش ، صاحبة الطول والحول في المنطقة العربية بأسرها. بالإضافة إلى أفراد معدودين من غير قريش أيضا.
فكان هؤلاء هم الذين يدبرون الأمور ، ويوجهونها بالإتجاه الذي يصب في مصلحتهم ، ويؤكد هيمنتهم ، ويحركون الجماهير بأساليب متنوعة ، اتقنوا الاستفادة منها بما لديهم من خبرات سياسية طويلة.
فكانوا يستفيدون من نقاط الضعف الكثيرة لدى السذّج والبسطاء ، أو لدى غيرهم ممن لم يستحكم الإيمان في قلوبهم بعد ، ممن كانت تسيّرهم الروح القبلية ، وتهيمن على عقلياتهم وروحياتهم المفاهيم والرواسب الجاهلية.
وكان أولئك الذين وترهم الإسلام ـ أو قضى على الإمتيازات التي لا يستحقونها ، وقد استأثروا بها لأنفسهم ظلما وعلوا ـ كانوا ـ يسارعون إلى الاستجابة إلى أي عمل يتوافق مع أحقادهم ، وينسجم مع مشاعرهم وأحاسيسهم الثائرة ضد كل ما هو حق وخير ، ودين وإسلام.
وهذا هو ما عبر عنه رسول الله «صلىاللهعليهوآله» حينما ذكر : أن تأخيره إبلاغ أمر الإمامة بسبب أنه كان يخشى قومه ، لأنهم قريبو عهد بجاهلية ، بغيضة ومقيتة ، لا يزال كثيرون منهم يعيشون بعض مفاهيمها ، وتهيمن عليهم بعض أعرافها.
وهكذا يتضح : أن الأخيار الواعين من الصحابة ، كانوا قلة قليلة. وحتى لو كثر عددهم ، فإن الآخرين هم الذين كانوا يقودون التيار ، بما تهيأ لهم من عوامل وظروف ، في المدينة التي كانت بمثابة قرية صغيرة ، لا يصل عدد سكانها إلى بضعة ألوف من الناس ، لا تصل إلى عدد أصابع اليد الواحدة ، قد