الحضوري الذي هو نحو وجود كلّ شيء ، وإحاطته محاطية وجودات الأشياء وحضورها لديه تعالىٰ ؛ لأنّه لمّا كان تعالىٰ بسيط الحقيقة ، محض الوجود وصرفه ـ وصرف الشيء واجد لما هو من سنخ ذلك الشيء ، ومجرّد عمّا هو من أجانبه وأباعده ، وبعيد الوجود لا يكون إلّا ما هو من سنخ العدم ـ كان كلّ وجود حاضراً له أشدّ من حضوره لنفسه ، إذ كما قلنا : نسبة الشيء إلىٰ فاعله بالوجوب ، وإلىٰ قابله بالإمكان.
ولا نعني بنفس الأشياء وقابلها إلّا الماهيات التي هي قابلة للوجودات الخاصة ، فكما لا يشذّ عن حيطة وجوده تعالىٰ وجود ، كذلك لا يعزب عن حيطة علمه مثقال ذرّة.
قال الحكماء : إنَّ الله تعالىٰ ظاهر بذاته لذاته ، لكون ذاته بريئاً من جميع الحيثيّات ، ومجرّداً عن كلّ الأحياز والجهات والأوقات ، وكلّ مجرّد عالم بذاته ، وذاته علّة لجميع ما سواه ، والعلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول.
قال المعلم الثاني : الأوّل تعالىٰ هو الغني المغني الذي ينال الكلّ من ذاته (١).
فكما أنّ بوجود واحد مُظهر لجميع الموجودات بنحو البساطة ، كذلك بعلم واحد يعلم جميع المعلومات ، فكأن ذاته تعالىٰ كالصورة العلمية التي بها ينكشف ذو الصورة الخاصة ، إلّا إنّ ذاته تعالىٰ بذاته ما به ينكشف جميع الأشياء ، لا بصورة حاصلة زائدة.
وها هنا كلام ينبغي أن يذكر ، وهو قول المتكلّمين : إنَّ العلم أعمّ من القدرة ؛ لتعلّقه بالممتنعات دون القدرة ؛ لأن المقدور لابدّ أن يكون ممكناً. ومعنىٰ قوله تعالىٰ : ( إِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٢) أي كلّ شيء ممكن مستقيم قدير.
أقول : قال الحكماء : لا وجه لقولهم هذا ؛ إذ الممتنع من حيث حقيقته التي هي
_____________________________
(١) « فصوص الحكم » للفارابي ، ص ٥٩ ، فص ١١. |
(٢) « البقرة » الآية : ٢٠. |