سيبويه ، كما ألزموا المفتوح الذي قبله كسرة يعني قوله في (مئر) (مير) أو ضمه يعني في قولنا (جؤن) : (جون) وقد تقدم الكلام في هذا وقال الراجز :
عجبت من ليلاك وانتيابها (١) |
|
من حيث زارتني ولم أورابها |
والأصل أورأبها ، ولا يجوز الهمز في البيت لأن القصيدة مردفة ، ولا بدّ من ألف قبل حرف الروي وهو الياء ولو همز لم يجز أن تكون الهمزة ردفا ومعنى قوله : لم أورأ بها لم أعلم بها.
قال لبيد يصف الناقة :
تسلب الكانس لم يورأ بها |
|
شعبة الساق إذا الظّلّ عقل (٢) |
وهذا البيت يجوز فيه أربعة أوجه ، يجوز لم (أورأ بها) مثال (أورع بها) معناه أشعر بها وهو من (الوراء) اشتقاقه ، كأنه قال لم أشعر بها من ورائي وهذا على مذهب من يجعل الهمزة في وراء أصلية ويقول في تصغيرها : (وريّتة) تقديرها (وريّعة) وتقول في تصريف الفعل منها (ورّأت) بكذا وكذا كأنه قال : (ساترت بكذا) ومنه الحديث أن النبي صلىاللهعليهوسلم : " كان إذا أراد السفر ورّى عنه بغيره" (٣). وأصحاب الحديث لم يضبطوا الهمزة.
والوجه الثاني من هذا المعنى أن تجعل الهمزة غير أصلية ، وتجعلها منقلبة من ياء ، أو واو ، ويقول (لم يور بها) ويجعل (وراء) مثل (عطاء) والهمزة منقلبة ، ومن قال هذا قال في تصغير (وراء) و (وريّة) وأصله (ورية) وتسقط واحدة منها كما قلت في (عطاء) (عطيّ) والأصل (عطيي) وفي (عطاءة) (عطيّة) والأصل : (عطيية).
ويقول : (ورّيت عن كذا وكذا) بغير همز.
ويجوز أن يقال : (لم يوأر بها) ، تقديره لم (يوعر بها) وفاء الفعل منها واو ومعناه لم
__________________
(١) البيتان من الرجز المشطور ، انظر الدرر اللوامع : ١ / ٢٨ ، والهمع : ١ / ٥٢.
(٢) انظر ديوان الشاعر : ١٣٩.
(٣) أخرجه الإمام أحمد في مسنده : ٣ / ٤٥٦ ، ٤٥٦ ، وأخرجه مسلم في كتاب التوبة باب توبة كعب بن مالك وصاحبه : ٤ / ٢١٢٨ رقم ٥٤.