أسكت يا جاهل ، لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو الفضل. قال له المأمون : لو منعتهما عن ذلك لأوجعتك لوما وعتبا ، وألزمتك ذنبا ، وما وضع ما فعلاه من شرفهما ، بل رفع من قدرهما ، وبيّن عن جوهرهما وقد ثبتت لي مخيلة الفراسة بفعلهما ، فليس يكبر الرجل ـ وإن كان كبيرا ـ عن ثلاث : عن تواضعه لسلطانه ، ووالده ، ومعلمه العلم. وقد عوضتهما عما فعلاه عشرين ألف دينار ، ولك عشرة آلاف درهم على حسن أدبك لهما.
وأخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطيّ ، أخبرنا محمّد بن جعفر التّميميّ ، حدثنا محمّد بن الحسن قال : حدثنا أبو العبّاس ثعلب عن ابن نجدة قال : لما تصدى أبو زكريّا للاتصال بالمأمون كان يتردد إلى الباب ، فلما أن كان ذات يوم جاء ثمامة ، قال : فرأيت أبهة أدب ، فجلست إليه ففاتشته عن اللغة فوجدته بحرا ، وفاتشته عن النحو فشاهدت نسيج وحده ، وعن الفقه فوجدت رجلا فقيها عارفا باختلاف القوم ، وبالنجوم ماهرا ، وبالطب خبيرا ، وبأيام العرب وأشعارها حاذقا ، فقلت : من تكون؟ وما أظنك إلا الفرّاء؟ قال : أنا هو ، فدخلت فأعلمت أمير المؤمنين المأمون ، فأمر بإحضاره لوقته ، وكان سبب اتصاله به.
أخبرنا التّنوخيّ ، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن يوسف الأزرق ، حدثنا أبو بكر بن الأنباريّ ، حدثني أبي قال : سمعت إسماعيل بن إسحاق يقول : ما أحد برع في علم إلا دله على غيره من العلوم. قال بشر المريسي للفراء : يا أبا زكريّا أريد أن أسألك عن مسألة من الفقه. فقال : سل. فقال : ما تقول في رجل سها في سجدتي السهو؟ قال : لا شيء عليه ، قال : من أين قلت؟ قال : قسته على مذاهبنا في العربية ، وذلك أن المصغر عندنا لا يصغر ، فكذلك لا يلتفت إلى السهو في السهو. فسكت بشر. وحكى أن محمّد بن الحسن سأل الفرّاء عن هذه المسألة ، لا بشر.
أخبرنا الأزهري ، أخبرنا علي بن عمر الحافظ ، حدثنا أحمد بن أحمد بن سعيد ، حدثنا بنان بن يعقوب الزقومي أخو حمدان الكنديّ قال : سمعت عبد الله بن الوليد صعودا يقول : كان محمّد بن الحسن الفقيه ابن خالة الفرّاء ؛ وكان الفرّاء يوما عنده جالسا ، فقال الفرّاء : قلّ رجل أمعن النظر في باب من العلم فأراد غيره إلا سهل عليه ، فقال له محمّد : يا أبا زكريّا فأنت الآن قد أنعمت النظر في العربية ، فنسألك عن باب من الفقه؟ قال : هات على بركة الله تعالى. قال : ما تقول في رجل صلّى فسها