مجاهد : سأسكته الساعة بين يديك ، وكان من عادة الشبلي إذا لبس شيئا خرق فيه موضعا ، فلما جلس قال له ابن مجاهد : يا أبا بكر أين في العلم إفساد ما ينتفع به؟ فقال له الشبلي : أين في العلم (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) [ص ٣٣] قال : فسكت ابن مجاهد ، فقال له أبي : أردت أن تسكته فأسكتك!! ثم قال له : قد أجمع الناس أنك مقرئ الوقت ، أين في القرآن الحبيب لا يعذب حبيبه؟ قال : فسكت ابن مجاهد. فقال له أبي : قل يا أبا بكر ، فقال قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ، قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ) [المائدة ١٨] فقال ابن مجاهد كأنني ما سمعتها قط.
أخبرنا أبو سعد الحسين بن عثمان العجليّ الشّيرازيّ ، حدثنا أبو الحسين زيد بن رفاعة الهاشميّ قال : دخل أبو بكر بن مجاهد على أبي بكر الشبلي دلف بن جبغويه الأشروسني ، فحادثه فسأله عن حاله فقال ترجو الخير ، تختم في كل يوم بين يدي ختمتين وثلاثا. فقال له الشبلي : أيها الشيخ قد ختمت في تلك الزاوية ثلاثة عشر ألف ختمة ، إن كان فيها شيء قبل فقد وهبته لك ، وإني لفي درسه منذ ثلاث وأربعين سنة ما انتهيت إلى ربع القرآن.
أخبرنا إسماعيل الحيري ، أخبرنا محمّد بن الحسين السّلميّ قال : سمعت أبا عبد الله الرّازيّ يقول : لم أر في الصّوفيّة أعلم من الشبلي ولا أتم حالا من الكتاني.
وقال السّلميّ : سمعت أبا العبّاس محمّد بن الحسن البغداديّ يقول : سمعت الشبلي يقول : أعرف من لم يدخل في هذا الشأن حتى أنفق جميع ملكه وغرق في هذه الدجلة التي ترون سبعين قمطرا مكتوبا بخطه ، وحفظ الموطأ ، وقرأ بكذا وكذا قراءة ـ عني به نفسه.
أخبرنا أحمد بن علي بن الفتح ، أخبرنا محمّد بن الحسين بن موسى الصّوفيّ النّيسابوريّ قال : سمعت أحمد بن محمّد بن زكريّا يقول : سمعت أحمد بن عطاء يقول : سمعت الشبلي يقول : كتبت الحديث عشرين سنة ، وجالست الفقهاء عشرين سنة ، وكان يتفقه لمالك ، وكان له يوم الجمعة نظرة ومن بعدها صيحة ، فصاح يوما صيحة تشوش ما حوله من الحلق ، وكان يجنب حلقته حلقة أبي عمران الأشيب ، فقال لأبي الفرج العكبريّ : ما للناس؟ قال : حردوا من صيحتك ، وحرد أبو عمران وأهل حلقته ، فقام الشبلي وجاء إلى أبي عمران فلما رآه أبو عمران قام إليه وأجلسه