معرفتهم إنكارهم إياه ، أي إنكارهم صفاته الكاملة.
فتعليق ضمير ذات الرسول ب (مُنْكِرُونَ) هو من باب إسناد الحكم إلى الذات والمراد صفاتها مثل (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) [النساء : ٢٣]. وهذه الصفات هي الصدق والنزاهة عن السحر وأنه ليس في عداد الشعراء.
ولله در أبي طالب في قوله :
لقد علموا أن ابننا لا مكذّب |
|
لدينا ولا يعزى لقول الأباطل |
وقال تعالى فيما أمر به رسوله (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ) (أي القرآن) (أَفَلا تَعْقِلُونَ) [يونس : ١٦].
ولما كان البشر قد يعرض له ما يسلب خصاله وهو اختلال عقله عطف على (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ) قوله (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ) ، وهو الاستفهام الرابع ، أي ألعلهم ادعوا أن رسولهم الذي يعرفونه قد أصيب بجنون فانقلب صدقه كذبا.
والجنّة : الجنون ، وهو الخلل العقلي الذي يصيب الإنسان ، كانوا يعتقدون أنه من مس الجن.
والجنّة يطلق على الجنّ وهو المخلوقات المستترة عن أبصارنا كما في قوله : (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [الناس : ٦]. ويطلق الجنة على الداء اللاحق من إصابة الجن وصاحبه مجنون ، وهو المراد هنا بدليل باء الملابسة. وتقدم عند قوله تعالى (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ) في سورة الأعراف [١٨٤]. وهم لم يظنوا به الجنون ولكنهم كانوا يقولونه بألسنتهم بهتانا. وليس القول بألسنتهم هو مصب الاستفهام. ثم قد نقض ما تسبب على ما اختلقوه فجيء بحرف الإضراب في الخبر في معنى الاستدراك وهو (بل).
والحق : الثابت في الواقع ونفس الأمر ، يكون في الذوات وأوصافها. وفي الأجناس ، وفي المعاني ، وفي الأخبار. فهو ضد الكذب وضد السحر وضد الشعر ، فما جاءهم به النبيصلىاللهعليهوسلم من الأخبار والأوامر والنواهي كله ملابس للحق ، فبطل بهذا ما قالوه في القرآن وفي الرسول عليه الصلاة والسلام مقالة من لم يتدبروا القرآن ومن لم يراعوا إلا موافقة ما كان عليه آباؤهم الأولون ومن لم يعرفوا حال رسولهم الذي هو من أنفسهم ومقالة من يرمي بالبهتان فنسبوا الصادق إلى التلبيس والتغليط.
فالحق الذي جاءهم به النبي أوله إثبات الوحدانية لله تعالى وإثبات البعث وما يتبع