مضت مدة على زواجه ، وفي يوم من الايام صادف ليلا نارا موقدة في بيت من بيوت البدو فوجد عندها بنتا تصطلي على النار (تتشلهب) ، فاعجبه بياض ساقيها ، ونعومة بشرتها وفي تلك الليلة طلبها من ابيها فتزوجها ، وعلقت منه وصار له منها ولد.
كبر الاولاد ، وكانوا قد بلغوا مبلغ الرجال ، ويؤمل منهم ما يؤمل من امثالهم للحروب والغزو ، أو حفظ المال والاهل والنضال عنهما عند الملمات ...!! وكانت قد حصلت منافرة في هذه الايام بينهم وبين قبيلة عنزة المشهورة ، فمال عليهم بعض غزاتها فنهبوا ابلهم ، وكان من رأي ابن (أم شهلبة) ان لا قدرة لهم على الحرب ، والاولى ان يعودوا ويفروا بانفسهم فاعترضه ابنا (بنت رغيلان) بانهما كيف وبأي وجه يرجعان إلى جدهما وقد اخذت ابلهم ونهبت من بين ايديهم فاجاب ابن ام شلهبة نعوض له إبلا اخرى تعود لنا ... فلم يوافقوا على هذا ، ولم يرجعوا وانما تحاربوا مع العدو وانتزعوا الابل المنهوبة ومعها بعض (الكلايع) (١) ورجعوا غانمين ، ظافرين ... وكان قد سبقهم ابن ام شلهبة فاخبر جده بما خاطر به الاولاد الآخرون ، وما جازفوا ، فبقي صامتا ساكتا ، لا ينبس ببنت شفة وآثار التألم بادية عليه ، ولا طريق له في هذا الليل ان يعمل عملا ما وصار لا يهجع وكان يعبث بالنار ، في عصا بيده ويزيد في الوقود .. وهو مضطرب ..
وعلى كل كان احر من الجمر ، وبينما هو كذلك جاء احد الولدين وكان قد سبق صاحبه راكبا فرسه ليبشر جده ، وبقي الآخر مع الابل يمشي على مهل ... فبشره بالنجاح واستعادة الابل ، وما جرى من انتصار ، وانه سارع لاخباره .. ففرح الجد ، ولقب الفارّ بابن (ام شلهبة) وبقي هذا النبز ملازما له وخاطب المنتصر قائلا :
ان جدت انا جاذبك من مجاذبك |
|
وان برت هو اولاد الصكور تبور |
__________________
(١) القلايع ما يغنمه الغزاة من خيل العدو بعد قتل فارسها ومفرده قلاعة (كلاعه) ...