وجوه ناظرات يوم بدر |
|
إلى الرّحمن يأتي بالفلاح |
ولكن الحق أنّ الإصرار على أنّ النظر بمعنى الرؤية أو الانتظار يوجب كون الآية مجملة من حيث المراد ، مع أنها من المحكمات ولا إجمال فيها. والذي يبطل الاستدلال هو أنّ النظر سواء أكان بمعنى الرؤية أم بمعنى الانتظار لا يدل على أنّ المراد هو الرؤية الحقيقية ، ويعلم ذلك بمقارنة بعض الآيات المذكورة ببعضها ، وعندئذ يرتفع الإبهام عن وجهها. وإليك تنظيم الآيات حسب المقابلة :
أ ـ (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) يقابلها قوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ).
ب ـ (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) يقابلها قوله : (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ).
ولا شك أنّ الفقرتين الأوليين واضحتان جدا ، وإنما الكلام في الفقرة الثالثة فيجب رفع إبهامها عن طريق الفقرة الرابعة التي تقابلها.
وبما أن المراد من الفقرة الرابعة هو أنّ الطائفة العاصية التي عبّر عن صفتها بكونها ذات وجوه باسرة ، تظن وتتوقع أن ينزل بها عذاب يكسر فقارها ويقصم ظهرها ، يكون ذلك قرينة على المراد من الفقرة الثالثة ، وهو أنّ الطائفة المطيعة ذات وجوه ناضرة تتوقع عكس ما تتوقعه الطائفة الأولى ، وتنتظر فضله وكرمه. هذا هو الذي يستظهره الذهن المجرد عن كل رأي مسبق ، من مقابلة الآيتين.
وبعبارة أخرى : لا يصح لنا تفسير الفقرة الثالثة إلا بضد الفقرة الرابعة. فبما أنّ الفقرة الرابعة صريحة في أنّ المراد توقع العصاة العذاب الفاقر ، يكون المراد من الفقرة الثالثة توقع الرحمة والفضل والكرم حتى ولو كان النظر بمعنى الرؤية ، ولكن ليست كل رؤية معادلة للرؤية بالأبصار ، بل ربما تكون الرؤية كناية عن التوقع والانتظار مثلا يقال : «فلان ينظر إلى يد فلان» ويراد أنه رجل معدم محتاج ليس عنده شيء وإنما يتوقع عطاء الشخص ، فما أعطاه ملكه وما منعه حرم منه. وهذا مما درج عليه الناس في