في مسيركم وأنتم سائرون ، وفي مقامكم وأنتم مقيمون ، وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليه مضطرين. فقال الشيخ : كيف لم نكن في شيء من حالاتنا مكرهين ولا إليه مضطرين وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ومنقلبنا ومنصرفنا. فقال أمير المؤمنين : أو تظن أنّه كان قضاء حتما ، وقدرا لازما؟ إنّه لو كان كذلك لبطل الثّواب والعقاب ، والأمر والنهي ، والزّجر من الله تعالى ، وسقط معنى «الوعد والوعيد» ولم تكن لائمة للمذنب ، ولا محمدة للمحسن ، ولكان المذنب أولى بالإحسان من المحسن ، ولكان المحسن أولى بالعقوبة من المذنب ... وتلك مقالة إخوان عبدة الأوثان ، وخصماء الرحمن ، وحزب الشيطان ، وقدريّة هذه الأمة ومجوسها (١). وإنّ الله كلف «تخييرا» ونهى «تحذيرا» وأعطى على القليل كثيرا ، ولم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها ، ولم يملك مفوّضا ، ولم يخلق السموات والأرض وما بينهما باطلا ، ولم يبعث النبيين مبشرين ومنذرين عبثا ، ذلك ظن الذين كفروا ، فويل للذين كفروا من النار (٢).
٧ ـ وقال أمير المؤمنين عند ما سئل عن القضاء والقدر : «لا تقولوا وكلهم الله إلى أنفسهم فتوهنوه ، ولا تقولوا أجبرهم على المعاصي فتظلموه ، ولكن قولوا الخير بتوفيق الله والشر بخذلان الله ، وكلّ سابق في
__________________
(١) قد أطلق الإمام لفظ القدرية هنا على مثبتي القدر لا نفاته على خلاف ما اشتهر بين المتكلمين.
(٢) التوحيد للصدوق ، ص ٣٨٠ ، ح ٢٨. وهذا الحديث الذي نقلناه ذكره الكليني المتوفى عام ٣٢٩ ه في كافيه ، والشيخ الصدوق المتوفى عام ٣٨١ ه. في توحيده ، والشريف الرضي المتوفى عام ٤٠٦ في نهج البلاغة. وما أفرغه (عليهالسلام) في هذه الخطبة لا يمتاز عن سائر خطبه وكلمه.
والعجب كل العجب من الدكتور علي سامي النشار الذي نقل الحديث في كتابه نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام ، ج ١ ، ص ٤١١ ، عن كتاب المنية لابن المرتضى ، وزعم أنه من موضوعات المعتزلة وأنّ أسلوب الكلام فيه يمتاز عن أسلوب علي (عليهالسلام). ولكنه غفل عن أن الحديث منقول في كتب السلف من الشيعة الذين لا يمتّون إلى المعتزلة ولا إلى غيرهم من الفرق بصلة ، وللتفصيل مجال آخر.