ويكون أثره تحديد الموجود وصبغه ، يجب أن يكون التقدير مقدما على القضاء فصانع الطائرة يهيئ لمصنوعه قطعا وأجزاء صناعية مختلفة ، كل منها من صنع مصنع ، ثم تركب هذه الأجزاء بعضها مع بعض ، فيصل إلى حد القضاء ، فتكون طائرة تحلق في السماء.
ومثله الثوب المخيط ، فإنّ هناك عوامل مختلفة تعطيه صورة واحدة ، مثل تفصيل القميص ، والخياطة الخاصة ، وغير ذلك من الخصائص التي تحدد الثوب قبل وجود العلّة التامة.
وفي ضوء هذا البيان يمكن أن يقال : إذا كان الشيء موجودا ماديا ، وكانت علته علة مركبة من أجزاء ، فتقديره مقدم على قضائه حيث إنّ تأثير الجزء مقدم على تأثير الكل. وأما الموجودات المجرّدة المتحققة بعلّة بسيطة ، فالتقدير والقضاء العينيان فيها يكونان في آن واحد فإن الخلق والإيجاد ، الذي هو ظرف القضاء ، هو نفس ظرف التقدير والتحديد.
وبهذا يتضح سر تأكيد الإمام (عليهالسلام) على تقدم القدر على القضاء.
روى البرقي في المحاسن بسنده عن هشام بن سالم قال : قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : «إنّ الله إذا أراد شيئا قدّره ، فإذا قدّره قضاه ، فإذا قضاه أمضاه» (١).
وروى أيضا بسنده عن محمد بن إسحاق قال : قال أبو الحسن ليونس مولى علي بن يقطين : «يا يونس لا تتكلم بالقدر ، قال : إني لا أتكلم بالقدر ، ولكن أقول : لا يكون إلا ما أراد الله وشاء وقضى وقدر. فقال : ليس هكذا أقول ، ولكن أقول : لا يكون إلا ما شاء الله وأراد وقدر وقضى» (٢).
__________________
(١) المحاسن ، ص ٢٤٣ ـ ٢٤٤. ورواه المجلسي في البحار ، ص ١٢١ ، الحديث ٦٤.
(٢) المحاسن ، ص ٢٤٤. ورواه المجلسي في البحار ، ص ١٢٢ ، الحديث ٦٩.