والإثبات ، فهو مظهر لعلم الله في مقام الفعل ، فإذا قيل بدا لله في علمه فمرادهم البداء في هذا المظهر.
وإن شئت قلت : إنّ مراتب علمه سبحانه مختلفة ، ومحالّها متعددة. فأولها وأعلاها العلم الذاتي المقدس عن التكثر والتغير وهو محيط بكل شيء وكل شيء حاضر عنده بذاته. ثم يليه علمه الفعلي وله مراتب ومظاهر كاللوح المحفوظ ولوح المحو والإثبات ونفوس الملائكة والأنبياء. فلو كان هناك تغيير فإنما هو في هذه المظاهر ، وبالأخص لوح المحو والإثبات. فيقدر في ذلك اللوح كون الشخص من السعداء ولكنه يرتكب عملا طالحا يوجب التغيير فيه فيكتب من الأشقياء ، ومثله خلافه. وإليه يشير سبحانه : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ).
فالظاهر من الآية أنّ أم الكتاب هو الكتاب الوسيع الأصيل الذي يكتب فيه تقدير الكائنات بجملتها ومنها الإنسان ، ولأجل ذلك يكون مصونا من التغيير ، لانعكاس جميع التقديرات فيه جملة واحدة وهذا بخلاف لوح المحو والإثبات فيكتب فيه التقدير الأول ولكنه لما كان مشروطا بشرط غير متحقق ، يغيره التقدير الثاني.
وبذلك يظهر أنّ التغيير في التقدير لا يلازم التغيّر في العلم ولا التغيّر في الإرادة ، وإنما التغيير في مظاهر علمه الفعلي أي ما خلقه من الألواح والنفوس التي تنعكس فيها تقاديره.
وعلى ضوء ذلك فما أخذه أبو زهرة المصري في كتابه (الإمام الصادق) ، على الشيعة الإمامية في مسألة البدء ناشئ عن الغفلة عن محل المحو والإثبات وطروء التغير والتحول حيث قال : «من البداء الزيادة في الآجال والأرزاق والنقصان منها بالأعمال ولا شك أنّ الزيادة في الآجال ، إن أريد ما قدّره الله تعالى في علمه الأزلي والزيادة عما قدر ، فذلك يقتضي تغيير علم الله ، وإن أريد الزيادة عما يتوقعه الناس فذلك مما ينطبق عليهم قوله تعالى :