وقد فسّر غير واحد من المفسرين كلا الأجلين بما ذكرنا ، وذكر الرازي الوجه المروي عن حكماء الإسلام وقال :
«إنّ لكل إنسان أجلين أحدهما : الآجال الطبيعية والثاني الآجال الاخترامية. أما الآجال الطبيعية فهي التي لو بقي ذلك المزاج مصونا عن العوارض الخارجية لانتهت مدة بقائه إلى الوقت الفلاني. وأمّا الآجال الاخترامية فهي التي تحصل بالأسباب الخارجية كالغرق والحرق وغيرهما من الأمور المنفصلة» (١).
وقال العلّامة الطباطبائي : «إنّ الأجل أجلان : الأجل على إبهامه ، والأجل المسمى عند الله تعالى. وهذا هو الذي لا يقع فيه تغيير لمكان تقييده بقوله «عنده» ، وقد قال تعالى : (وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ). وهو الأجل المحتوم الذي لا يتغير ولا يتبدل ، قال تعالى : (إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (٢). فنسبة الأجل المسمى إلى الأجل غير المسمى ، نسبة المطلق المنجز إلى المشروط المعلق ، فمن الممكن أن يتخلف المشروط المعلق عن التحقق لعدم تحقق شرطه الذي علّق عليه ، بخلاف المطلق المنجز ، فإنه لا سبيل إلى عدم تحققه البتة.
والتدبّر في الآيات يفيد أنّ الأجل المسمى هو الذي وضع في أم الكتاب ، وغير المسمى من الأجل هو المكتوب فيما نسميه ب «لوح المحو والإثبات».
وبتعبير آخر : إنّ أم الكتاب قابل الانطباق على الحوادث من جهة استنادها إلى أسبابها التامة التي لا تتخلف عن تأثيرها ، ولوح المحو الإثبات قابل الانطباق على الحوادث من جهة استنادها إلى الأسباب الناقصة التي ربما نسميها بالمقتضيات التي يمكن اقترانها بموانع تمنع من تأثيرها» (٣).
__________________
(١) مفاتيح الغيب للرازي ، سورة الأنعام ، آية ٢.
(٢) سورة يونس : الآية ٤٩.
(٣) الميزان ، ج ٧ ، تفسير سورة الأنعام ، الآية الثانية ، ص ٩.