مطلقة تعمّ الجميع. وإنّما الاختلاف في تفسير هذا الأصل التوحيدي فالأشاعرة بما أنهم أنكروا وجود أي تأثير ظلّي لغيره سبحانه قالوا بوجود علّة واحدة قائمة مكان جميع العلل والأسباب (المنتهية إلى الله سبحانه في منهج العليّة) ، فلا تأثير لأي موجود سوى الله سبحانه ، فهو الخالق والموجد لكل شيء ، وقد عرفت كلام الإمام الأشعري عند بيان معتقدات أهل السنّة وإليك كلامه في (الإبانة) :
قال في الباب الثاني : «إنّه لا خالق إلّا الله ، وإنّ أعمال العبد مخلوقة لله مقدرة كما قال : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (١). وإنّ العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئا وهم يخلقون ، كما قال سبحانه : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) (٢)» (٣).
قال شارح المواقف : «إنّ أفعال العباد الاختيارية واقعة بقدرة الله سبحانه وحدها وليس لقدرتهم تأثير فيها ، والله سبحانه أجرى عادته بأنّ يوجد في العبد قدرة واختيارا. فإذا لم يكن هناك مانع أوجد فيه فعله المقدور مقارنا لهما ، فيكون فعل العبد مخلوقا لله إبداعا وإحداثا ، ومكسوبا للعبد والمراد بكسبه إيّاه مقارنته لقدرته وإرادته من غير أن يكون هناك منه تأثير ومدخل في وجوده سوى كونه محلّا له. وهذا مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري»(٤).
أقول : يقع الكلام في مقامين :
الأول : تفسير عموم قدرته تعالى لعامة الكائنات ومنها أفعال البشر وأنّه لا خالق إلّا هو.
الثاني : تفسير حقيقة الكسب الذي تدرعت به الأشاعرة في مقابل العدلية.
__________________
(١) سورة الصّافات : الآية ٩٦.
(٢) سورة فاطر : الآية ٣.
(٣) الإبانة ، ص ٢٠.
(٤) شرح المواقف للسيد الشريف الجرجاني ، ج ٨ ، ص ١٤٦.