قلنا : لا كلام في قوة هذا الكلام ومتانته ، إلّا أنه لما ثبت (من جانب) بالبرهان أنّ الخالق هو الله تعالى وثبت (من جانب آخر) بالضرورة أنّ لقدرة العبد وإرادته مدخلا في بعض الأفعال كحركة اليد دون البعض كحركة الارتعاش ، احتجنا في التفصي عن هذا المضيق إلى القول بأنّ الله تعالى خالق والعبد كاسب» (١).
يلاحظ عليه : إنّه بعد لم يخرج عن هذا المضيق بل قال بأصلين متعارضين ، فإذا ثبت بالبرهان أنّه لا خالق إلّا هو تعالى ، وفسّرت خالقيته العامة بكونه فاعلا مباشرا لكل فعل ، لم يبق لتأثير قدرة العبد مجال. فالقول بالأصلين جمع بين المتعارضين.
وبعبارة ثانية ، إنّ الخلق بتمام معنى الكلمة ، إذا كان راجعا إليه ولا تصح نسبته إلى غيره كيف يكون للقوة المحدثة في العبد تأثير ، فلو كان لها تأثير يكون الفعل مخلوقا للعبد أيضا لا لله وحده.
وباختصار ، لو كانت القدرتان في عرض واحد ، فإنه يستلزم اجتماع القدرتين على مقدور واحد. ولو كانت قدرة العبد في طول قدرة الله سبحانه ، يلزم كون الفعل مخلوقا للعبد أيضا ، وهم يفرون من نسبة الخلق والإيجاد إلى غير الله سبحانه.
ومنهم : القاضي الباقلاني فقال : «قد قام الدليل على أنّ القدرة الحادثة لا تصلح للإيجاد ، لكن ليست الأفعال أو وجوهها واعتباراتها تقتصر على جهة الحدوث فقط ، بل هاهنا وجوه أخر هي وراء الحدوث». ثم ذكر عدّة من الجهات والاعتبارات ، وقال : «إنّ الإنسان يفرّق فرقا ضروريا بين قولنا : «أوجد» ، وقولنا : «صلى» و «صام» و «قعد» و «قام». وكما لا يجوز أن تضاف إلى الباري تعالى جهة ما يضاف إلى العبد فكذلك لا يجوز أن تضاف إلى العبد جهة ما يضاف إلى الباري تعالى ، فإذا جاز لكم إثبات
__________________
(١) شرح العقائد النسفية ، ص ١١٥.