فيكون اختياره عن سبب اقتضاه ومحدث أحدثه فإمّا أن يكون هو أو غيره ، فإن كان هو نفسه ، فإمّا أن يكون إيجاده للاختيار بالاختيار ، وهذا يتسلسل إلى غير النهاية ، أو يكون وجودا لاختيار فيه لا بالاختيار فيكون مجبورا على ذلك الاختيار من غيره ، وينتهي إلى الأسباب الخارجة عنه التي ليست باختياره» (١).
وأنت ترى أنّ هذا البرهان لو صحّ لكان المادي والإلهي متساويين بالنسبة إليه. وحاصل هذا البرهان أنّ الإرادة تعرض للنفس في ظل عوامل داخلية وخارجية فيكون اجتماع تلك العوامل موجبا لظهورها على لوح النفس. ولأجل ذلك تتصف الإرادة بالجبر لكون وجودها معلولا لتلك العوامل النفسانية وغيرها. فالفعل الاختياري ينتهي إلى الإرادة وهي تنتهي إلى مقدماتها من التصور والتصديق والميل النفساني المنتهية إلى أشياء خارجة عن ذات المريد ، نعم الإلهي يرجع هذه المقدمات النفسانية أو الخارجية ، بعد سلسلة الأسباب والمسببات إلى الله سبحانه ، والمادي يرجعها إلى العوامل الموجودة في عالم المادة ولذلك ذكرنا هذا البرهان في فصل الجبر الفلسفي لا في الأشعري الذي ينسب الأشياء إلى الله سبحانه مباشرة ، ولا في فصل الجبر المادي الذي لا يرى علّة للجبر إلّا العوامل المادية ، بل ذكرناه في هذا الفصل الذي يمكن أن يكون مختارا للإلهي كما يمكن أن يكون مختارا للمادي.
أقول : إنّ هذا الإشكال هو من أهم الإشكالات في هذا الباب ، وربما نرى أنّ بعض الماديين لجئوا إلى تنمية هذا الإشكال بشكل يناسب أبحاثهم ، ويصرون على أنّ الإرادة في الإنسان تحصل باجتماع معدات وشرائط ومقدمات وبواعث يكون الإنسان مقهورا في إرادته ، وإن كان يتصور
__________________
(١) الأسفار ، ج ٦ ص ٣٩٠. ويظهر هذا الإشكال من الشيخ الرئيس في الفن الثالث من طبيعيات الشفاء وفي أول العاشرة من إلهيات الشفاء. وقد نقل صدر المتألهين نصوصه في المصدر نفسه ، فلاحظ.