للموجودات الأرضية ومنها الإنسان ، فيجب أن يكون لها إشراف دائم على المدبّرات ، واتصال دائم بالعالم السفلي الذي يقع تحت تدبيرها ولكنه لا يجتمع مع الأفول والغروب ، لأنهما يستلزمان غيبة المدبّر عن مدبّره بالفتح وجهله بحاله ، فيكون دليلا قاطعا على عدم كونها مدبّرة للموجودات الأرضية.
ولأجل أنّ شرك عبدة الأجرام كان شركا في الربوبية والتدبير نرى أنّ إبراهيم يستعمل في طرح عقيدتهم وردّها لفظ «الربّ». يقول سبحانه حاكيا عنه : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي) (١). وقال أيضا : (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي) (٢). فاستعمل لفظة «الربّ» فيهما وفي غيرهما من الآيات الواردة في احتجاجه مع المشركين ، ولم يستعمل كلمة «الخالق» ، للفرق الواضح بين التوحيدين وعدم إنكارهم التوحيد الأول وإصرارهم على الشّرك في الثاني.
وأمّا لفظة «الرّب» في لغة العرب فهي بمعنى المتصرف والمدبّر والمتحمل أمر تربية الشيء ، وكأنه بمعنى الصاحب. وهذه ، أعني التدبير والتصرف ، من لوازم كون الشخص صاحبا ومالكا. فربّ الضيعة يقوم بأمرها ، وربّ البيت والغنم يقوم بالتصرف اللازم فيهما.
وباختصار ، إنّ في زعم المشركين أنّ مقام الخلق غير التدبير وأنّ الذي يرتبط بالله إنما هو الخلق والإيجاد وأمّا التدبير فيتعلق بموجودات أخرى غير الله سبحانه وتعالى. فهي المتصرفات فيه وقد فوّض إليها تدبير عالم الطبيعة ، وليست لله تعالى أية دخالة في أمر تدبير الكون وإدارته وتنظيم شئونه والتصرف فيه.
هذه حقيقة الشّرك في التدبير ووجه الفرق بينه وبين الشّرك في الخالقية
__________________
(١) سورة الأنعام : الآية ٧٦.
(٢) سورة الأنعام : الآية ٧٧.