لما كان من النظام الموحّد أي أثر لأن تعدد المدبّر والمنظّم ـ بحكم اختلافهما في الذات أو في المصنّفات والمشخصات ـ يستلزم بالضرورة الاختلاف في التدبير والإدارة ، ويستلزم تعدد التدبير فناء النظام الموحد وغيابه.
وبعبارة أخرى ، إنّ المدبرين إن كانا متساويين من كل الجهات لم يكن هنا اثنينية في المدبر ، وإن لم يكونا متساويين بل كان هناك اختلاف بينهما في الذات أو في عوارضها ، فالاختلاف فيها يؤثر اختلافا في التدبير وهو خلاف الحسّ.
إلى هنا خرجنا بهاتين النتيجتين :
الأولى : التدبير نوع من الخلق ، والتوحيد في الثاني يلازمه في الأول.
الثانية : إن وحدة النظام وانسجامه وتلاصقه وتماسكه كاشف عن وحدة التدبير والمدبّر.
إجابة عن إشكال
إنّ هناك إشكالا دارجا في الألسن وهو أنّ الأرباب المفروضين وإن كانوا متكثري الذوات ومتغايريها ويؤدي ذلك بالطبع إلى اختلاف الأفعال وتدافعها ، لكن من الممكن أن يتواطئوا على التسالم وهم عقلاء ، ويتوافقوا على التلاؤم رعاية لمصلحة النظام الواحد وتحفظا على بقائه. هذا هو الإشكال.
وأمّا الإجابة فبوجود الفرق الواضح بين العقلاء والأرباب المفروضين فإنّ عمل العقلاء مبني على علومهم وليست هي إلّا قوانين كلية مأخوذة من النظام الخارجي الجاري في العالم. فللنظام الخارجي نوع تقدم على تلك الصور العلمية وهي تابعة لنفس النظام الخارجي ، فعند ذلك يتصالح العقلاء المتنازعون حسب ما تنكشف لهم المصلحة ، فيأخذون بالطريق الوسط الذي تجتمع فيه مصالحهم وأغراضهم وغاياتهم. هذا هو حكم العقلاء المتنازعين