ولأجل ذلك نجد أنّ أمة كبيرة من جنس البشر تولوا منصة الحاكمية من جانب الله سبحانه وإذنه الخاص ، يديرون شئون الحياة الاجتماعية للإنسان. وفي ذلك يخاطب الله نبيّه داود ويقول :
(يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ)(١).
إنّ الآية الكريمة وإن كانت واردة في تنصيب داود على القضاء ، لكن نفوذ قضائه كان ناشئا من حاكميته الواسعة التي تشمل الحكم والإمرة بحيث كان نفوذ قضائه من لوازمها وفروعها. ولم يكن القضاء في تلك الأعصار منفصلا عن سائر شئون الحكومة ولم يكن شأن داود منحصرا في بيان الأحكام والمعارف ، بل كان يتمتع بسلطة تامة تشمل التنفيذية والقضائية ، بل التشريعية أيضا بوحي من الله سبحانه. يقول سبحانه : (وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) (٢).
قال العلّامة الطباطبائي : ويدل على اختصاص خصوص الحكم التشريعي به تعالى قوله : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) (٣) .. فالحكم لله لا يشاركه فيه غيره على ظاهر ما يدل عليه غير واحد من الآيات ، غير أنه سبحانه ربما ينسب الحكم وخاصة التشريعي منه في كلامه إلى غيره ، كقوله تعالى : (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ)(٤) ، وقوله للنبيّ : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) (٥). وقوله تعالى : (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) (٦) وقوله: (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ) (٧) إلى غير ذلك
__________________
(١) سورة ص : الآية ٢٦.
(٢) سورة البقرة : الآية ٢٥١.
(٣) سورة يوسف : الآية ٤٠.
(٤) سورة المائدة : الآية ٩٥.
(٥) سورة المائدة : الآية ٤٩.
(٦) سورة المائدة : الآية ٤٨.
(٧) سورة المائدة : الآية ٤٤.