ولا شك أن ليس المقصود بالمالكية ، مطلق المالكية ، فالاعتقاد بالمالكية القانونية والاعتبارية لا يكون أبدا موجبا لصيرورة الخضوع عبادة. والبشر في عصور «العبوديات الفردية» بالأمس ، و «العبودية الجماعية» في الحاضر ، لا يعدون امتثالهم لأوامر أسيادهم عبادة. وإنما المقصود من المملوكية هنا ، القائمة على أساس الخلق والتكوين والتسلّط على شأن من شئون التكوين. فالمالكيات الحقيقية لها مناشئ مختلفة وهاك بيانها :
١ ـ قد يوصف بالمالكية لكونه خالقا ، ومن هنا يكون الله سبحانه مالكا حقيقيا للبشر لأنه خالقه وموجده من العدم. ولهذا نجد القرآن الكريم يعتبر جميع الموجودات الشاعرة عبيدا لله ، ويصفهم تعالى بأنه مالكهم الحقيقي وذلك لأنه خلقهم ، إذ يقول سبحانه : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) (١).
ولأجل ذلك أيضا نجده سبحانه يأمرهم بعبادة نفسه معللا بأنه هو ربّهم الذي خلقهم دون سواه ، إذ يقول : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) (٢) ويقول جل شأنه : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ) (٣).
٢ ـ ويوصف بالمالكية لكونه رازقا ومحييا ومميتا ، ولذلك يحس كل إنسان سليم الفطرة بمملوكيته لله تعالى ، لأنّه سبحانه مالك حياته ومماته ورزقه. ومن هنا يلفت القرآن نظر البشر إلى مالكية الله تعالى لرزق الإنسان وأنه تعالى هو الذي يميته وهو الذي يحييه ، ليلفته من خلال ذلك إلى أنّ الله هو الذي يستحق العبادة فحسب ، إذ يقول عزّ من قائل: (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) (٤). ويقول سبحانه : (هَلْ لَكُمْ مِنْ ما
__________________
(١) سورة مريم : الآية ٩٣.
(٢) سورة البقرة : الآية ٢١.
(٣) سورة الأنعام : الآية ١٠٢.
(٤) سورة الروم : الآية ٤٠.