لغير الله على وجه التكرمة والتحية منسوخ بما روت عائشة وجابر وأنس إنّ النبي قال : «ما ينبغي لبشر أن يسجد لبشر ، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها» (١).
والحاصل : إنّ خضوع أحد أمام آخرين لا باعتقاد أنهم «آلهة» أو «أرباب» أو «مصادر للأفعال والشئون الإلهية» بل لأن المخضوع لهم مستوجبون للتعظيم لأنهم : (عِبادٌ مُكْرَمُونَ* لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (٢) ، ليس هذا الخضوع والتعظيم والتواضع والتكريم عبادة قطعا. وقد مدح الله تعالى فريقا من عباده بصفات تستحق التعظيم عند ما قال : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) (٣). وقال في اصطفاء إبراهيم : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) (٤). فهذه الأوصاف العظيمة توجب نفوذ محبتهم في القلوب والأفئدة وتستوجب احترامهم في حياتهم وبعد مماتهم. بل إنّ بعض الأولياء (عليهمالسلام) فرضت على المسلمين محبتهم بنصّ القرآن إذ يقول سبحانه وتعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٥).
وعلى ما ذكرنا لا يكون تقبيل يد النبي ، أو الإمام ، أو المعلم ، أو الوالدين ، أو تقبيل القرآن أو الكتب الدينية ، أو أضرحة الأولياء وما يتعلق بهم من آثار ، إلا تعظيما وتكريما ، لا عبادة.
إلى هنا تبينت واتضحت حقيقة العبادة بالتعريفات الثلاثة التي ذكرناها وأسهبنا في توضيحها ويمكنك بعد ذلك أن تعرف مدى وهن التعريفات الأخرى التي تذكر للعبادة ونذكر منها التعريفين التاليين :
__________________
(١) أحكام القرآن ، ج ١ ، ص ٣٢ لأبي بكر أحمد بن علي الرازي المعروف بالجصّاص المتوفى عام (٣٧٠ ه ق).
(٢) سورة الأنبياء : الآيتان ٢٦ ـ ٢٧.
(٣) سورة آل عمران : الآية ٣٣.
(٤) سورة البقرة : الآية ١٢٤.
(٥) سورة الشورى : الآية ٢٣.