قولنا الواجب ليس بجوهر (١) ولا عرض (٢) هو ذات الله تعالى من حيث عدم الجوهرية والعرضية.
فإن قيل : لو كان الموضوع ذات الله تعالى وحده أو مع ذات الممكنات من حيث الاستناد إليه لما وقع البحث في المسائل إلا عن أحوالها ، واللازم باطل ، لأن كثيرا من مباحث الأمور العامة والجواهر والأعراض بحث عن أحوال الممكنات ، لا من حيث استنادها إلى الواجب.
قلنا : يجوز أن يكون ذلك على سبيل الاستطراد ، قصدا إلى تكميل الصناعة ، بأن يذكر مع المطلوب ماله نوع تعلق من اللواحق والفروع والمقابلات ، وما أشبه ذلك ، كمباحث المعدوم والحال وأقسام الماهية والحركات والأجسام ، أو على سبيل الحكاية لكلام المخالف ، قصدا إلى تزييفه كبحث علة اليقين (٣) والآثار العلوية والجواهر المجردة ، أو على سبيل المبدئية بأن يتوقف عليه بعض المسائل ، فيذكر لتحقيق المقصود ، بأن لا يتوقف بيانه على ما ليس يبين (٤) كاشتراك الوجود واستحالة التسلسل ، وجواز كون الشيء قابلا وفاعلا ، وإمكان الخلاء وتناهي الأبعاد ، وأما ما سوى ذلك فيكون من فضول الكلام ،
__________________
(١) قال ابن سينا : الجوهر هو كل ما وجود ذاته ليس في موضوع ؛ أي في محل قريب قد قام بنفسه دونه لا بتقويمه (النجاة ص ١٢٦) وقال أيضا : ويقال جوهر لكل ذات وجوده ليس في موضوع ، وعليه اصطلح الفلاسفة القدماء منذ عهد أرسطو.
والخلاصة : أن الجوهر هو الموجود لا في موضوع ويقابله العرض ، بمعنى الموجود في موضوع ، فإن كان الجوهر حالا في جوهر آخر كان صورة ، إما جسمية وإما نوعية ، وإن كان محلا لجوهر آخر كان هيولى ، وإن كان مركبا منهما كان جسما.
(٢) العرض : ضد الجوهر لأن الجوهر هو ما يقوم بذاته ، ولا يفتقر إلى غيره ليقوم به ، على حين أن العرض هو الذي يفتقر إلى غيره ليقوم به ، فالجسم جوهر يقوم بذاته ، أما اللون فهو عرض لأنه لا قيام له إلا بالجسم ، وكل ما يعرض في الجوهر من لون وطعم وذوق ولمس وغيره فهو عرض.
وقال ابن سينا : كل ذات لم يكن في موضوع فهو جوهر ، وكل ذات قوامها في موضوع فهي عرض (النجاة ص ٣٢٤).
وقال الخوارزمي : العرض هو ما يتميز به الشيء عن الشيء لا في ذاته كالبياض من السواد ، والحرارة من البرودة ، وغير ذلك (مفاتيح العلوم ص ٨٦).
(٣) في (ب) التعيين بدلا من (اليقين).
(٤) في (ب) بين وهو تحريف.