العلم وهو المسمى بالحكم والتصديق ، وحقيقته إذعان النفس وقبولها لوقوع النسبة أو لا وقوعها. ويعبر عنه بالفارسية (بگرويدن) على ما صرح به ابن سينا (١) وهذا ما قال في الشفاء : التصور في قولك : البياض عرض ، هو أن يحدث في الذهن صورة هذا التأليف وما يؤلف منه كالبياض والعرض. والصديق ، هو أن يحصل في الذهن نسبة هذه الصورة إلى الأشياء أنفسها أنها مطابقة لهما. والتكذيب يخالف ذلك ، وفي هذا الكلام إشارة (٢) إلى أن مدلول الخبر والقضية هو الصدق وإنما الكذب احتمال عقلي. وليس فيه انحصار التصديق في المطابق كما توهم ، إذ لا يلزم من حصول الشيء كالمطابقة مثلا في النفس تحققه في الواقع.
(قوله : والضرورة قاضية بانقسام كل منهما إلى النظري المفتقر إلى النظر والضروري المستغنى عنه ، وقد يفسر الضروري بما يلزم نفس المخلوق لزوما لا يجد إلى الانفكاك عنه سبيلا ، أي لا يقدر على الانفكاك عنه أصلا فلا يرد زوال الضرورى بطريان ضده أو عدم حصوله لفقد شرط ولا لزوم النظري بعد الحصول من غير اقتدار على الانفكاك حينئذ لوجود الاقتدار قبل ذلك) (٣).
يعني أن كلا من التصور والتصديق ينقسم إلى النظري والضروري لأنا نجد (٤) في أنفسنا احتياج بعض التصورات والتصديقات إلى النظر كتصور الملك والجن ، والتصديق بحدوث العالم ، واستغناء بعضها عنه كتصور الوجود والعدم ، والتصديق بامتناع اجتماع النقيضين.
والمراد الاحتياج والاستغناء بالذات ، حتى يكون الحكم المستغني في
__________________
(١) ابن سينا : الحسين بن عبد الله أبو علي شرف الملك ، الفيلسوف الرئيس ، صاحب التصانيف في الطب والمنطق والطبيعيات والإلهيات أصله من بلخ ، ومولده في إحدى قرى بخاري. نشأ وتعلم بها وطاف البلاد وناظر العلماء. وتقلد الوزارة في همدان من كتبه : الإرشادات رسالة في الحكمة ، وأرجوزة في المنطق ، ولحمودة غرابة (ابن سينا بين الدين والفلسفة) توفي سنة ٤٢٨ ه.
(٢) في (ب) إرشاد بدلا من (إشارة) وهو تحريف.
(٣) زيد في (أ) ما بين القوسين.
(٤) في (أ) (من) بدلا من (في).