نفسه عن النظر ضروريا وإن كان طرفاه بالكسب على ما تقرر عند الجمهور من أن التصديق الضروري ما لا يتوقف بعد تصور الطرفين على نظر وكسب (١) وعبارة المواقف وهو أن البعض ضروري بالوجدان والبعض نظري بالضرورة ربما يوهم أن الثاني ليس بالوجدان ، لكن المراد ما ذكرنا ـ وفسر القاضي أبو بكر (٢) العلم الضروري بما يلزم نفس المخلوق لزوما لا يجد إلى الانفكاك عنه سبيلا ، وقيد بالمخلوق لأن الضروري والنظري من أقسام العلم الحادث ، واعترض عليه بأن النفس قد تنفك عن العلم الضروري ، بأن يزول بعد الحصول لطريان شيء من أضداد العلم كالنوم والغفلة ، وبأن لا يحصل أصلا لانتفاء شرط من شرائطه مثل التوجه وتصور الطرفين ، واستعداد النفس ، والإحساس والتجربة ونحو ذلك مما يتوقف عليه بعض الضروريات.
وأجيب بأن المراد أنه لا يقتدر على الانفكاك ، والانفكاك فيما ذكرتم من الصور (٣) ليس بقدرة المخلوق وهذا ما قال في المواقف أن عبارته مشعرة بالقدرة يعني يفهم من قولنا يجد فلان سبيلا إلى كذا أو لا يجد أنه يقتدر عليه أو لا يقتدر والحاصل أن إطلاق الضروري على العلم مأخوذ من الضرورة. بمعنى عدم القدرة على الفعل والترك كحركة المرتعش. ولذا قد يفسر بما لا يكون تحصيله مقدورا للمخلوق إلا أن قيد الحصول مراد هاهنا بقرينة جعل الضروري من أقسام العلم الحادث ، ومصرح في عبارة القاضي (٤) ليخرج العلم بمثل تفاصيل الاعداد والاشكال مما لا قدرة للعبد على تحصيله ، ولا على الانفكاك عنه.
__________________
(١) سقط من (ب) وكسب.
(٢) القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر قاضي من كبار علماء الكلام انتهت إليه الرئاسة في مذهب الأشاعرة. ولد في البصرة عام ٣٣٨ ه وسكن بغداد فتوفي بها عام ٤٠٣ ه. وجهه عضد الدولة سفيرا عنه إلى ملك الروم فجرت له في القسطنطينية مع علماء النصرانية بين يدي ملكها. من كتبه : إعجاز القرآن ، والإنصاف ، وكشف أسرار الباطنية ، وغير ذلك. رحمهالله.
(راجع وفيات الأعيان ١ : ٤٨١).
(٣) سقط من (ب) كلمة (من الصور).
(٤) القاضي : هو أبو بكر الباقلاني.