فإن قيل : يرد على طرد العبارتين العلم الحاصل بالنظر ، إذ لا قدرة حينئذ على تحصيله ولا على الانفكاك عنه.
أجيب (١) بأن المعتبر في الضروري نفي القدرة دائما ، وفي النظري إنما تنتفي القدرة بعد الحصول إذ قبله يقتدر على التحصيل بأن يكتسب وعلى الانفكاك بأن لا يكتسب فإن قيل : ـ سلمنا أن مراد القاضي (نفي الاقتدار على الانفكاك. إلا أن السؤال باق بعد ـ لأن الانفكاك سواء كان مقدورا أو غير مقدور ينافي اللزوم. قلنا : ـ أراد باللزوم) (٢) الثبوت أو امتناع الانفكاك بالقدرة على أن يكون آخر الكلام تفسيرا لأوله ، وفسر النظري بما يتضمنه النظر الصحيح ، بمعنى أنه لا ينفك عنه بطريق جري العادة عند حصول الشرائط ، ولم يقل ما يوجبه لما سيجيء من أن حصول النتيجة عقيب النظر ليس بطريق الوجوب ، ولم يقل ما يحصل عقيب النظر الصحيح لأن من الضروريات ما هو كذلك كالعلم بما يحدث حينئذ من اللذة أو الألم (٣) ولو قال ما يفيده النظر الصحيح وأراد الاستعقاب العادي لكان أظهر ، والكسبي يقابل الضروري ويرادف النظري فيمن يجعل طريق الاكتساب هو النظر لا غير.
وأما فيمن جوز الكسب بمثل التصفية والإلهام (٤) من خوارق العادات وقد يقال الكسبي لما يحصل بمباشرة الأسباب اختيارا كصرف العقل أو الحس. والضروري لما يقابله ويخص الكسبي النظري باسم النظري باسم الاستدلالي.
(قال : واختار الإمام أن ما يحصل من التصورات ضروري ، لامتناع الاكتساب أما من جهة المطلوب فلأنه إما معلوم مطلقا فلا يطلب ، أو مجهول مطلقا فلا يمكن التوجه إليه ، أو معلوم من وجه دون وجه فلا يمكن طلب شيء من وجهيه بخلاف التصديق ، فإنه يطلب بحصول تصوراته ، ورد بعض جهات المجهول كاف في التوجه إليه ، وأما من جهة الكاسب فلأنه إما جميع الأجزاء
__________________
(١) في (أ) بزيادة (عنه).
(٢) ما بين القوسين سقط من (ب).
(٣) في (ب) (والألم).
(٤) ما بين القوسين سقط من (أ).