بأمر ممكن مستند إلى المشاهدة ، كثرة يمتنع تواطؤهم على الكذب ، فينضم إلى العقل سماع الأخبار وإلى القضية قياس خفي ، هو أنه لو لم يكن هذا الحكم حقا لما أخبر به هذا الجمع.
وأما الحدسيات : فهي قضايا يحكم بها العقل بحدس قوي من النفس يزول معه الشك، ويحصل اليقين بمشاهدة القرائن ، كالحكم بأن نور القمر مستفاد من الشمس ، لما نرى من اختلاف تشكلات نوره بحسب اختلاف أوضاعه من الشمس ، وذلك أنه يضيء دائما جانبه الذي يلي الشمس وينتقل ضوؤه إلى مقابلة الشمس ، فيحدس العقل بأنه لو لم يكن نوره من الشمس لما كان كذلك ، فهي كالمجربات في تكرر المشاهدة ومقارنة القياس الخفي إلا أن السبب في المجربات معلوم السببية غير معلوم الماهية. وفي الحدسيات معلوم بالوجهين ، إلا أن الوقوف عليه يكون بالحدس دون الفكر ، وإلا لكان من العلوم الكسبية ، وستعرف معنى الحدس في بحث النفس.
قال : (وقد تنحصر في البديهيات والمشاهدات لشمولها الكل ، أو لأن ضرورية ما سواهما ، بل يقينية المجربات والحدثيات لا تخلو عن نظر ، إلا أن المحققين منهم لم يجعلوه من النظريات بل بواسطة (١) والنزاع لفظي ، فإن قيل كيف ينازع في المتواتر (٢) وهو نوع من الحسي ..؟ قلنا : الكلام في مضمون الأخبار المسموعة ، كوجود مكة مثلا. فقول الرواة : إنه عليه الصلاة والسلام قال : «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» (٣) مسموع ، والعلم
__________________
(١) في (ب) بل واسطة.
(٢) التواتر : يفيد العلم ، وذلك لا خلاف فيه إلا في قول ضعيف ، وله أربعة شروط : الأول : أن يخبر عن علم لا عن ظن. الثاني : أن يكون علمهم ضروريا مستندا إلى محسوس. الثالث :
أن يستوي طرفاه وواسطته في هذه المصنفات ، وفي كمال العدد. الرابع : العدد. وعدد المخبرين ينقسم إلى ناقص : فلا يفيد العلم. وإلى كامل : فيفيد العلم ، وإلى زائد يحصل به العلم ببعضه وتقع الزيادة فضلة.
(راجع مقدمة جامع الأصول في أحاديث الرسول ج ١ ص ١٢٠).
(٣) الحديث رواه البخاري في الرهن ٦ والترمذي في الأحكام ١١ وابن ماجة في الأحكام ٧.