وتسمى حسيات (١) كالحكم بأن الشمس نيرة ، والنار حارة ، أو الباطنة وتسمى وجدانيات ، كالحكم بأن لنا خوفا وغضبا ، ومنها ما نجده بنفوسنا لا بالآلات البدنية كشعورنا بذواتنا وأحوالها ، وجميع أحكام الحس جزئية لأنه لا يفيد إلا أن هذه النار حارة.
وأما الحكم بأن كل نار حارة فحكم عقلي ، حصل بمعونة الإحساس بجزئيات ذلك الحكم والوقوف على علله.
وأما الفطريات : فقضايا يحكم بها العقل بواسطة لا يعزب عنه عند تصور الطرفين وهو المعنى بأمر لازم منضم إلى القضية ، ولهذا تسمى قضايا قياساتها معها ، كالحكم بأن الأربعة زوج ، لانقسامها بمتساويين.
وأما المجربات : (٢) : فهي قضايا يحكم بها العقل بانضمام تكرر المشاهدة إليه ، والقياس الخفي المنتج لليقين (٣) إليها أن الوقوع المتكرر على نهج واحد (٤) لا بد له من سبب وإن لم يعرف ماهيته ، فكلما علم وجود السبب علم وجود المسبب قطعا ، وذلك كالحكم بأن السقمونيا مسهل للصفراء.
وأما المتواترات : فهي قضايا يحكم بها العقل بواسطة كثرة شهادة المخبرين
__________________
(١) الحسيات : جمع الحس ، وتسمى المحسوسات أيضا ، وتطلق في القضايا على معنيين الأول : هو القضايا التي يجزم بها العقل بمجرد تصور طرفيها بواسطة الحس الظاهر أو الباطن. وهي كلها أحكام جزئية حاصلة من المشاهدات. فإذا كانت الحس الظاهر سميت محسوسات. مثل حكمنا بوجود الشمس وإفادتها ووجود النار وحرارتها ووجود الثلج وبياضه. وإذا كانت بواسطة الحس الباطن سميت وجدانيات مثل شعورنا بأن لنا فكرة وإرادة وخوفا وغضبا.
(٢) المجربات : أمور أوقع التصديق بها الحس بشركة القياس ، وذلك أنه إذا تكرر في إحساسنا وجود شيء لشيء مثل الاسهال للسقمونيا والحركات المرصودة للسماويات تكرر ذلك منا في الذكر. وإذا تكرر منا ذلك في الذكر ، حدثت لنا منه تجربة ، بسبب اقتران بالذكر ، وهو أنه لو كان هذا الأمر كالاسهال مثلا عن «السقمونيا» اتفاقيا عرضيا لا عن مقتضى طبيعته لكان لا يكون في أكثر الأمر من غير اختلاف ، حتى انه إذا لم يوجد ذلك ، استندت النفس الواقعة فطلبت سببا لما عرض من أنه لم يوجد فالمجربات : قضايا وأحكام تتبع مشاهدات منا تتكرر.
(ابن سينا الإشارات ص ٥٦ ، والنجاة ٩٤ : ٩٥).
(٣) في (ب) للتعيين
(٤) في (ب) المكر وهو تحريف.