واسطة لعدم افتقارها إلى الاكتساب الفكري ، وبهذا يشعر كلام الإمام حجة الإسلام (١) حيث قال : العلم الحاصل بالتواتر ضروري بمعنى أنه لا يحتاج إلى الشعور بتوسط واسطة مفضية إليه مع أن الواسطة حاضرة في الذهن ، وليس ضروريا بمعنى الحاصل من غير واسطة كما في قولنا : الموجود ليس بمعدوم فإنه لا بد فيه من حصول مقدمتين (٢).
إحداهما : أن هؤلاء مع كثرتهم ، واختلاف أحوالهم لا يجمعهم على الكذب جامع.
الثانية : أنهم قد اتفقوا على الإخبار عن الواقعة لكنه لا يفتقر إلى ترتيب المقدمتين ولا إلى الشعور بتوسطهما ، ولا بإفضائهما (٣) إليه.
وبهذا يظهر أن النزاع لفظي مبني على تفسير الضروري ، أنه الذي لا يفتقر إلى واسطة أصلا ، أو الذي نجد أنفسنا مضطرين إليه.
فإن قيل : المتواترات من قبيل المحسوسات بحس السمع فيجب أن يكون ضروريا بلا نزاع ، كالعلم بأن النار حارة.
قلنا : الكلام في العلم بمضمون الخبر المسموع (٤) تواتر كوجود مكة مثلا ، وهو معقول. آلته بتكرر السماع (٥) حتى إذا كان المسموع المتواتر خبرا عن نسبته خبر إلى صدق كان العلم بمضمون ذلك الخبر اكتسابيا وفاقا ، مثلا إذا تواترات الأخبار بأن النبيصلىاللهعليهوسلم قال «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر» (٦).
فالعلم بأن هذا صوت المخبرين مأخوذ من الحس ، والعلم بأن الخبر
__________________
(١) حجة الإسلام : هو أبو حامد بن محمد الغزالي المتوفى سنة ٥٠٥ ه من كتبه مقاصد الفلاسفة : وتهافت الفلاسفة ، وإحياء علوم الدين ، والمنقذ من الضلال.
(٢) في (أ) مفدمين وهو خطأ.
(٣) سقط من (أ) حرف (ولا).
(٤) في (ب) المشروع ـ وهو تحريف.
(٥) في (ب) السمع.
(٦) سبق تخريج هذا الحديث.