جهة كونه معلوما لكونه وسيلة ، وليس بمعلوم لكونه مطلوبا ، وهذا معنى قولهم : إثبات النظر بالنظر تناقض. فإن قيل : معنى إثبات القضية النظرية أن العلم بها يستفاد من النظريات بعلم المقدمات مرتبة فيعلم النتيجة وهذا إنما يتوقف على كون النظر مفيدا للعلم ، لا على العلم بذلك ، فالموقوف هو التصديق ، والموقوف عليه هو الصدق ، وهذا كما أن تصور الماهية مستفاد من الخاصة اللازمة بمعنى أنها تتصور فيتصور وإن لم يعلم الاختصاص واللزوم.
قلنا : مبنى الكلام على أن اللازم في القياس هو صدق النتيجة والملزوم صدق المقدمات المرتبة. وأما التصديق بالنتيجة أعني العلم ، بحقيقتها فإنما يستلزمه التصديق بالمقدمات المرتبة ، وكونها مستلزمة للمطلوب بديهة أو اكتسابا (١) على ما تقرر من أن العلم بتحقق اللازم يستفاد من العلم باللزوم ، ويتحقق الملزوم ، وهذا بخلاف التعريف بالخاصة فإن اللزوم متحقق بين التصورين ، حتى لو كان التصديق بالمقدمات مع التصديق بالنتيجة كذلك سقط السؤال. وتقرير الجواب أنا نختار أنه ضروري ولا نسلم امتناع الاختلاف والتفاوت في الضروريات ، بل قد يختلف فيها جمع من العقلاء لخفاء في تصورات الأطراف وعسر في تجريدها (٢) عن اللواحق المانعة عن ظهور الحكم ، وقد يقع فيها التفاوت لتفاوتها في ذلك وفي كثرة التفات النفس إليها ، أو يختار أنه نظري يثبت بنظر مخصوص ضروري المقدمات ابتداء وانتهاء ، من غير لزوم دور أو تناقض. بأن يقال : في قولنا العالم متغير ، وكل متغير حادث. أن هذا الترتيب المخصوص أو العلوم المرتبة نظرا إذ لا معنى له سوى ذلك ، ثم إنه يفيد بالضرورة العلم بأن العالم حادث ينتج أن نظرا ما
__________________
(١) الكسب : وإن كان في الأصل ما يتحراه الإنسان مما فيه اجتلاب نفع وتحصيل حظ. ككسب المال. فإنه قد يستعمل فيما يظن الإنسان أنه يجلب منفعة ثم يستجلب به مضرة. فالكسب يقال فيما أخذه لنفسه ولغيره والاكتساب : لا يقال إلا فيما استفاده لنفسه. وفي الحديث : إنك لتصل الرحم : وتحمل الكل. وتكسب المعدوم : أي تعطي العائل وترفده.
(٢) راجع ما كتبه إمام الحرمين في كتابه الإرشاد ص ٤ ، ٥ وما كتبه في كتابه أصول الدين ص ١٠١ : ١٠٥.