الدليل بهما ، وإنما لم يورد في المتن لما سيجيء من أن النزاع في مقدورتيهما ، وفي كون الشك غير واجب.
الخامس : أنا لا نسلم أن مقدمة الواجب المطلق يلزم أن تكون واجبة ، لجواز إيجاب الشيء مع الذهول عن مقدمته ، بل مع التصريح بعدم وجوبها. فإن قيل : إيجاب الشيء بدون مقدمته تكليف بالمحال ضرورة استحالة الشيء بدون ما يتوقف عليه ، قلنا : المستحيل وجود الشيء بدون وجود المقدمة ، ولا تكليف به ، وإنما التكليف بوجود الشيء بدون وجوب المقدمة ، ولا استحالة فيه.
فإن قيل : ـ لو لم تجب مقدمة الواجب المطلق لجاز تركها شرعا ، مع بقاء التكليف بالأصل لكونه واجبا مطلقا ، أي على تقدير وجود المقدمة وعدمها ، ولا خفاء في أنه مع عدم المقدمة محال فيكون التكليف به حينئذ تكليفا بالمحال.
قلنا : عدم جواز ترك الشيء شرعا قد يكون لكونه لازما للواجب الشرعي فيكون واجبا بمعنى أنه لا بدّ منه ، وهذا لا يقتضي كونه مأمورا به متعلقا بخطاب الشارع على ما هو المتنازع. والجواب تخصيص الدعوى ، وهو أن المأمور به إذا كان شيئا ليس في وسع العبد إلا مباشرة أسباب حصوله ، كان إيجابه إيجابا لمباشرة السبب قطعا كالأمر بالقتل ، فإنه أمر باستعمال الآلة ، وحز الرقبة مثلا ، وهاهنا العلم نفسه ليس فعلا مقدورا بل كيفية ، فلا معنى لإيجابه إلا إيجاب سببه ، الذي هو النظر ، وليس هذا مبنيا على امتناع تكليف المحال حتى يرد الاعتراض بأنه جائز عندكم ، واعلم أنه لما كان المقصود وجوب النظر شرعيا ، وقد وقع الإجماع عليه ، كما صرحوا به فلا حاجة إلى ما ذكروا من المقدمات ، ودفع الاعتراضات بل لو قصد إثبات مجرد الوجوب دون أن يكون بدليل قطعي لكفى التمسك بظواهر النصوص كقوله تعالى :
(فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ) (١) (قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ) .. (٢) إلى غير ذلك.
__________________
(١) سورة الروم آية رقم ٥٠ وتكملة الآية : (كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها).
(٢) سورة يونس آية رقم ١٠١ وتكملة الآية : (وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ).