(قال : قالوا لو لم يجب إلا شرعا لكان للمكلف أن يقول لا أنظر ما لم يجب ، ولا يجب ما لم أنظر ، لأنه بالشرع وثبوته بالنظر ، ولا يمكن للنبي إلزامه (١) وفيه إفحامه. وأجيب بأنه مشترك الإلزام إذ الوجوب العقلي أيضا نظري فله أن لا ينظر ولا يسمع إلى ما يوضع له في المقدمات وأن صحة الإلزام إنما تتوقف على تحقق الوجوب لا على العلم به ، والمتوقف على النظر هو العلم به لا تحققه) (٢).
احتجت المعتزلة على أن وجوب النظر في المعجزة والمعرفة وسائر ما يؤدي إلى ثبوت الشرع عقلي ، بأنه (٣) لو لم يجب إلا بالشرع لزم إفحام الأنبياء ، فلم يكن للبعثة فائدة وبطلانه ظاهر ، ووجه اللزوم أن النبي عليهالسلام إذا قال للمكلف : انظر في معجزتي حتى يظهر لك صدق دعواي ، فله أن يقول : لا انظر ما لم يجب عليّ لأن ترك غير الواجب جائز ، ولا يجب عليّ ما لم يثبت الشرع ، لأنه لا وجوب إلا بالشرع ، ولا يثبت الشرع ما لم أنظر ، لأن ثبوته نظري لا ضروري.
فإن قيل : قوله لا أنظر ما لم يجب ليس بصحيح ، لأن النظر لا يتوقف على وجوبه. قلنا : نعم إلا أنه لا يكون للنبي حينئذ إلزامه النظر ، لأنه لا إلزام على غير الواجب ، وهو المعنى بالإفحام. وأجيب أولا : بأنه مشترك الإلزام ، وحقيقته إلجاء الخصم إلى الاعتراف بنقض دليله إجمالا ، حيث دل على نفي ما هو الحق (٤) عنده في صورة النزاع ، وتقريره أن للمكلف أن يقول لا أنظر ما لا يجب ،
__________________
(١) يقول المعتزلة : لو كان ذلك للزم إفحام الرسل وغلبهم بالحجة بحيث لا يمكنهم إلزام المكلفين الشرائع بالبرهان الذي هو سنة الله مع خلقه فتتبقى فائدة البعثة التي هي انتفاء الحجة للخلق يوم القيامة. ونقول : التالي باطل بالإجماع فالمقدم مثله.
(٢) أي الشرع في نفسه حتى يجيء الدور فقول القائل : أنا لا أنظر حتى يجب النظر ، مسلم. وقوله : ولا يجب حتى يثبت الشرع ، مسلم على ظاهره أيضا. وقوله : لا يثبت الشرع حتى أنظر ، غير مسلم. لأن الشرع يثبت في نفس الأمر نظرت أو لم تنظر أيها المكلف ، علمت بثبوته أو لم تعلم. هذا إن أراد العلم بالثبوت منع التوقف أيضا. إذ ليس الوجوب متوقفا على العلم بالثبوت وإنما يتوقف على سماع الخطاب وفهمه.
(٣) في (ب) (بيانه).
(٤) في (ب) بدلا من (عنده).