ولا يجب ما لم أنظر ، لأن وجوبه نظري ، يفتقر إلى ترتيب المقدمات ، وتحقيق أن النظر يفيد العلم مطلقا ، وفي الإلهيات سيما إذا كان طريق الاستدلال ما سبق من أنه مقدمة للمعرفة الواجبة مطلقا ، فإن قيل : بل هو من النظريات الجلية التي يتنبه لها العاقل بأدنى التفات أو إصغاء إلى ما يذكره الشارع من المقدمات قلنا : لو سلم فله أن لا يلتفت ، ولا يصغي فيلزم الإفحام.
وثانيا : بالحل وهو تعيين موضع الغلط ، وذلك أن صحة إلزامه النظر إنما تتوقف على وجوب النظر ، وثبوت الشرع في نفس الأمر ، لا على علمه بذلك ، والمتوقف على النظر هو علمه بذلك ، لا تحققهما في نفس الأمر ، فهو إن أراد نفس الوجوب والثبوت لم يصح قوله لا يثبت الشرع ما لم أنظر ، وإن أراد العلم بهما لم يصح قوله لا أنظر ما لم يجب ، وإن أراد (١) من الوجوب التحقق ، وفي الثبوت العلم به لم يصح قوله لا يجب عليّ ما لم يثبت الشرع ، لأن الوجوب عليه لا يتوقف على العلم بالوجوب ، ليلزم توقفه على العلم بثبوت الشرع ، بل العلم بالوجوب يتوقف على الوجوب لئلا يكون جهلا ، وهذا ما قال في المواقف : إن قولك لا يجب عليّ ما لم يثبت الشرع.
قلنا : إن هذا القول. إنما يصح لو كان الوجوب عليه موقوفا على العلم بالوجوب.
فقوله قلنا ... الخ ، خبر إن والعائد اسم الإشارة ، وإن خص إرادة العلم بقوله لا يثبت الشرع ما لم أنظر ، وإرادة التحقق بقوله لا أنظر ما لم يجب ، صحت جميع المقدمات لكن تختل (٢) صورة القياس لعدم تكرر الوسط ، فهذا قياس صحة مادته في فساد صورته وبالعكس.
__________________
(١) في (أ) في بدلا من (من).
(٢) تحتل وهو تحريف.