الواضح ، وبداهة تصور الوجود لا تستلزم بداهة الحكم بأنه بديهي ، فيجوز أن يكون هذا الحكم كسبيا أو بديهيا خفيا لا يكون في حكم قولنا : الواحد نصف الاثنين فيقع فيه الاختلاف ، ويحتاج على الأول إلى الدليل ، وعلى الثاني إلى التنبيه ويكون ما ذكر في معرض الاستدلال تنبيهات وقد يقال الوجود لا يتصور أصلا وهو مكابرة في مقابلة القول بأنه أظهر الأشياء واخترع الإمام لذلك تمسكات ، منها : أنه لو كان متصورا لكان الواجب متصورا إلزاما للقائلين بأن حقيقة الوجود المجرد ، ومعنى التجرد معلوم قطعا ومبناه على أن الوجود طبيعة نوعية ، لا تختلف إلا بالإضافات وليس كذلك على ما سيأتي ، ومنها أنه لو تصور لارتسم في النفس صورة مساوية له مع أن للنفس وجودا فيجتمع مثلان. والجواب : منع التماثل بين وجود النفس والصورة الكلية للوجود على أن الممتنع من اجتماع المثلين هو قيامهما بمحل واحد (١) كقيام العرض وهاهنا لو سلم قيام الصورة كذلك فظاهر ، أن ليس قيام الوجود كذلك لما سيجيء من أن زيادة الوجود على الماهية إنما هي في الذهن فقط.
وأما الجواب : بأنه يكفي لتصور الوجود وجود النفس كما يكفي لتصور ذاتها نفس ذاتها فإنما يصح على رأي من يجعل الوجود حقيقة واحدة لا يختلف إلا بالإضافة ، وإلا فكيف يكفي لتصور الوجود المطلق حصول الوجود الخاص الذي هو معروض لها ، ومنها أن تصوره بالحقيقة لا يكون إلا إذا علم تميزه عما عداه ، بمعنى أنه ليس غيره ، وهذا سلب مخصوص لا يعقل إلا بعد تعقل السلب المطلق ، وهو نفي صرف لا يعقل إلا بالإضافة إلى وجود فيدور.
والجواب : ـ أن تصوره يتوقف على تميزه لا على العلم بتميزه ولو سلم ، فالسلب المخصوص إنما يتوقف تعقله على تعقل السلب المطلق لو كان ذاتيا له ، وهو ممنوع ولو سلم، فلا نسلم أن النفي الصرف لا يعقل ، ولو سلم فالسلب يضاف إلى الإيجاب وهو غير الموجود.
__________________
(١) في (أ) بزيادة لفظ (واحد).