الثالث : أنه لو كان بديهيا لم يختلف العقلاء في بداهته ، ولم يفتقر المثبتون منهم إلى الاحتجاج عليها ، لكنهم اختلفوا واحتجوا فلم يكن بديهيا.
والجواب عن الأول : أنا لا نسلم أن العارض يكون تابعا للمعروض في المعقولية بل ربما يعقل العارض دون المعروض ، وعدم استقلاله إنما هو في التحقيق في الأعيان ولو سلم فلا نزاع في بداهة بعض الماهيات فيكفي في تعقل الوجود من غير اكتساب ، لا يقال العارض تابع للمعروض في التحقق حيث ما كان عارضا ، فإن كان في الخارج ففي الخارج ، وإن كان في العقل ففي العقل ، وسيجيء أن زيادة الوجود على الماهية ، إنما هي في العقل. والمعقول بتبعية الماهية البديهية يكون وجودها الخاص ، وليس المطلق ذاتيا له حتى يلزم بداهته ، بل عارضا لأنا نقول : ليس معنى العروض في العقل أن لا يتحقق العارض (١) في العقل بدون المعروض وقائما به كما في العروض الخارجي ، بل إن العقل إذا لاحظهما ولاحظ النسبة بينهما لم يكن المعقول من أحدهما نفس المعقول من الآخر ، ولا جزء له بل صادقا عليه.
والوجود المطلق وإن لم يكن ذاتيا للخاص لكنه لازم له بلا نزاع ، وليس إلا في العقل إذ لا تمايز في الخارج فتعقل الخاص لا يكون بدون تعقله فيكون بديهيا مثله.
وعن الثاني : أن البديهي لا يعرف تعريفا حديا أو رسميا لإفادة تصوره لكن قد يعرف تعريفا اسميا لإفادة المراد من اللفظ ، وتصور المعنى من حيث أنه مدلول لفظ وإن كان متصورا في نفسه ، ومن حيث أنه مدلول لفظ آخر ، وتعريفات الوجود من هذا القبيل.
وعن الثالث : أن الذي لا يقع فيه اختلاف العقلاء هو الحكم (٢) البديهي
__________________
(١) في (أ) بزيادة (العارض).
(٢) الحكم لغة : القضاء والجمع أحكام. وقد حكم عليه حكما وحكومة والحاكم منفذ الحكم وكذلك الحكم والجمع حكام. وحاكمه إلى الحاكم دعاه وخاصمه. وحكمه في الأمر : أمره أن يحكم ، فاحتكم. وتحكم : جار في حكمه. والاسم الأحكومة والحكومة.
(بصائر ذوي التمييز ج ٢ ص ٤٨٧).