بوجوب تقدمها عليه بالوجود فإنه ما لم يلحظ كون الشيء موجودا امتنع أن يلحظ كونه مبدأ للوجود ومقيدا له بخلاف القابل للوجود فإنه لا بد أن يلحظه العقل خاليا عن الوجود أي غير معتبر فيه الوجود لئلا يلزم حصول الحاصل ، بل عن العدم أيضا لئلا يلزم اجتماع المتنافيين. فإذن هي الماهية من حيث هي هي ، وأما الذاتيات بالنسبة إلى الماهية والماهية بالنسبة إلى لوازمها فلا يجب تقدمها إلا بالوجود العقلي ، لأن تقدمها بالذاتيات واتصافها بلوازمها إنما هو بحسب العقل ، وإذا تحققت فتقدم قابل الوجود أيضا كذلك لما سيجيء من أنه بحسب العقل فقط ، لا كالجسم مع البياض. فنقول على طريق البحث دون التحقيق : لا نسلم أن المفيد لوجود نفسه يلزم تقدمه عليه بالوجود ، فإنه لا معنى للإفادة هاهنا سوى أن تلك الماهية تقتضي لذاتها الوجود ويمتنع تقدمها عليه بالوجود ضرورة امتناع حصول الحاصل ، كما في القابل بعينه بخلاف المقيد لوجود الغير ، فإن بديهة العقل حاكمة بأنه ما لم يكن موجودا لم يكن مبدأ لوجود الغير (١) ومن هاهنا يستدل بالعالم على وجود الصانع.
فإن قيل : إذا كانت ماهية الواجب مفيدة لوجوده ومقتضية له كان وجوده معلولا للغير ، وكل معلول للغير ممكن فيكون وجود الواجب ممكنا ، هذا خلف (٢). قلنا بعد المساعدة على تسمية مقتضى الماهية معلولا لها وتسمية الذات الموجودة غير الوجود : لا نسلم أن كل معلول للغير بهذا المعنى ممكن ، وإنما يلزم ذلك لو لم يكن المعلول هو الوجود والغير ، هو الماهية ، التي قام بها ذلك الوجود ، كيف ولا معنى لوجوب الوجود سوى كونه مقتضى الذات التي قام بها الوجود من غير احتياج إلى غير تلك الذات؟ وهذا معنى قوله قلنا لذاته فيجب أن يكون وجود الواجب مقتضى لذات الواجب ، فيكون اللازم وجوبه لا إمكانه وتحقيقه. إنا إذا وصفنا الماهية بالوجوب فمعناه أنها لذاتها تقتضي الوجود ، وإذا وصفنا به الوجود فمعناه أنه مقتضى ذات الماهية من غير احتياج إلى غيرها.
__________________
(١) في (ب) مبدأ الوجود.
(٢) في (أ) بزيادة (هذا خلف).