فإن هذا مما لا يقبله العقل وإن وقع في كلام الإمام وغيره ، وأدلة القائلين بأن وجود الشيء نفس ذاته لا يفيد سوى أن ليس للشيء هوية ، ولعارضه المسمى بالوجود هوية أخرى ، قائمة بالأولى (١) بحيث يجتمعان اجتماع البياض والجسم من غير دلالة على أن المفهوم من وجود الشيء هو المفهوم من ذلك الشيء. فإن هذا بديهي البطلان ، فإذا لا يظهر من كلام الفريقين ولا يتصور من المنصف ، خلاف في أن الوجود زائد على الماهية ذهنا ، أي عند العقل وبحسب المفهوم والتصور بمعنى أن للعقل أن يلاحظ الوجود دون الماهية ، والماهية دون الوجود لا عينا ، أي بحسب الذات والهوية بأن يكون لكل منهما هوية متميزة يقوم أحدهما بالأخرى كبياض الجسم ، فعند تحرير المبحث وبيان أن المراد الزيادة في التصور أو في الهوية يرتفع النزاع بين الفريقين ، ويظهر أن القول يكون اشتراك الوجود لفظيا ، بمعنى أن المفهوم من الوجود المضاف إلى الإنسان غير المفهوم من المضاف إلى الفرس ، ولا اشتراك بينهما في مفهوم الكون مكابرة ومخالفة لبديهة العقل ، وذهب صاحب المواقف (٢) إلى أن النزاع راجع إلى النزاع في الوجود الذهني فمن أثبته قال بالزيادة عقلا. بمعنى أن في العقل أمرا هو الوجود وآخر هو الماهية.
ومن نفاه أطلق القول بأنه نفس الماهية ، لأنه لا تغاير ولا تمايز في الخارج ، وليس وراء الخارج أمر يتحقق فيه أحدهما بدون الآخر ، فيتحقق التمايز وفيه نظر. لأنه لا نزاع للقائلين بنفي الوجود الذهني في تعقل الكليات والاعتبارات ، والمعدومات ، والممتنعات ، ومغايرة بعضها للبعض بحسب المفهوم وإنما نزاعهم
__________________
(١) في (ب) الأول بدلا من (الأولى).
(٢) هو عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار أبو الفضل. عضد الدين الإيجي عالم بالأصول والمعاني العربية من أهل إيج (بفارس) ولي القضاء وأنجب تلاميذ عظاما وجرت له محنة مع صاحب كرمان. فحبسه بالقلعة فمات مسجونا. من تصانيفه : المواقف ، والرسالة العضدية ، وجواهر الكلام. توفي عام ٧٥٦ ه.
(راجع طبقات السبكي ٦ : ١٠٨).