المنفية ، فإن التعقل عندهم لا يقتضي الثبوت ، ولهذا جرت كلمة الجمهور بينهم على أنه مشترك معنى زائد ذهنا) (١).
يريد تحقيق مذاهب الشيخ وسائر المتكلمين والحكماء على وجه لا يخالف بديهة العقل فإن الظاهر من مذهب الشيخ أن مفهوم وجود الإنسان هو الحيوان الناطق مثلا ولفظ الوجود في العربية ولفظ (هستى) في الفارسية إلى غير ذلك من اللغات مشترك بين معان لا تكاد تتناهى من الموجودات ومن مذهب المتكلمين أن الوجود عرض قائم بالماهية قيام سائر الأعراض بمحالها. ومن مذهب الحكماء أنه كذلك في الممكنات ، وفي الواجب معنى آخر غير مدرك للعقول ، وجميع ذلك ظاهر البطلان ، وذهب صاحب الصحائف (٢) إلى أن منشأ الاختلاف هو إطلاق لفظ الوجود على مفهوم الكون ، ومفهوم الذات ، فمن ذهب إلى أنه زائد على الماهية أراد به الكون ، ومن ذهب إلى أنه نفس الماهية أراد به الذات ، فعند تحرير المبحث يرتفع الاختلاف وهذا فاسد.
أما أولا : فلأن احتجاج الفريقين صريح في أن النزاع في الوجود المقابل للعدم وهو بمعنى الكون.
وأما ثانيا : فلأن مفهوم الذات أيضا معنى واحد مشترك بين الذوات ، واشتراك الوجود بين الوجودات من غير اشتراك لفظ ، وتعدد وضع.
وأما ثالثا : فلأن القول بأن ذات الإنسان نفس ذاته وماهيته مما لا يتصور فيه فائدة فضلا عن أن يحتاج إلى الاحتجاج عليه فنقول : أدلة القائلين بأن وجود الشيء زائد عليه لا يفيد سوى أن ليس المفهوم من وجود الشيء هو المفهوم من ذلك الشيء من غير دلالة على أنه عرض قائم به قيام العرض بالمحل.
__________________
(١) وعلى هذا يكون الوجود في الذهن نفس الماهية التي توصف بالوجود الخارجي والاختلاف بينهما بالوجود دون الماهية. ولهذا قال بعض الأفاضل : الأشياء في الخارج أعيان في الذهن صور ، فقد تحرر محل النزاع بحيث لا مرية فيه.
(٢) مؤلفه : شمس الدين محمد السمرقندي.
(وراجع كلمة عنه في هذا الجزء).