«الكلام في الدين أكرهه ، ولم يزل أهل بلدنا ـ يقصد المدينة المنورة ـ يكرهونه ، وينهون عنه ، نحو الكلام في رأي جهم والقدر ، وما أشبه ذلك ولا أحب الكلام إلا فيما تحته عمل» (١).
أما صاحب مدرسة الرأي الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه وأرضاه فإنه يقول : «لعن الله عمرو بن عبيد» ، فإنه فتح للناس الطريق إلى الكلام فيما لا يعنيهم من الكلام» (٢).
ويذكر الهروي (٣) عن أبي المظفر السمعاني ؛ قال : «قلت لأبي حنيفة : ما تقول فيما أحدث الناس من الكلام في الأعراض والأجسام ..؟
فقال : مقالات الفلاسفة ..
قلت : نعم.
قال : عليك بالأثر وطريقة السلف ، وإياك وكل محدثة فإنها بدعة» (٤)
فإذا تركنا أقوال الإمام أبي حنيفة ، واتجهنا إلى الإمام الشافعي رضي الله عنه الذي يقول عنه الإمام أحمد بن حنبل : «ما رأيت أحدا أفقه من هذا الفتى».
ويسأله ابنه عبد الله : أي رجل كان الشافعي؟ فإني سمعتك تكثر الدعاء له ، فقال له : يا بني ، كان الشافعي كالشمس للنهار ، وكالعافية للناس ، فانظر هل لهذين من خلف؟ .. وعنهما من عوض؟ (٥).
الإمام الشافعي هذا يقول عن علم الكلام وعن أصحابه :
«حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد ، ويحملوا على الإبل ويطاف
__________________
(١) مختصر جامع بيان العلم وفضله ، وما ينبغي في روايته وحمله.
(٢) المصدر السابق.
(٣) هو : عبد الله بن عروة الهروي : من حفاظ الحديث. له كتاب الأقضية توفي عام ٣١١ ه.
(راجع تذكرة الحفاظ ٣ : ٨).
(٤) صون المنطق والكلام لطاش كبريزاده ج ٢ ص ٩٠.
(٥) مفتاح السعادة لطاش كبريزاده. ج ٢ ص ٩٠.