أقول ؛ ذكر صاحب المواقف على ما نطق به أصل النسخ : أنه يظن ظنا قريبا من اليقين ، أن مبنى إثبات الواسطة على أنهم وجدوا من المفهومات ما يتصور عروض الوجود لها ، فسموا تحققها وجودا ، وارتفاعها عدما ، ومنها ما لا يتصور عروض الوجود لها أصلا ، كالاعتبارات العقلية التي تسميها الحكماء معقولات ثانية ، فجعلوها ، لا موجودة ، ولا معدومة ، بمعنى أنها ليست متحققة ، ولا من شأنها التحقق ، فعندنا تقابل الوجود والعدم تقابل إيجاب وسلب. وعندهم تقابل ملكة وعدم.
والحق أن هذا الظن لا يغني من الحق شيئا.
أما أولا : فلأنه إنما يصح لو كان المعدوم عندهم مباينا للممتنع لا يطلق عليه أصلا ، كما ذكره صاحب التلخيص (١) : لا أعم على ما قرره صاحب المواقف وغيره ، لظهور أنه لا يعرض له الوجود أصلا.
وأما ثانيا : فلأن الحال حينئذ تكون أبعد عن الوجود من المعدوم ، لما أنه ليس له التحقق ولا إمكان التحقق وليس كذلك ، لما أنهم يجعلونه (٢) قد تجاوز في التقرر والتحقق والثبوت حد العدم ، ولم يبلغ حد الوجود ، ولهذا جوزوا كونه جزءا لموجود كلونية السواد.
وأما ثالثا : فلأنه ينافي ما ذكره في تفسير الواسطة ، في أنه المعلوم الذي له تحقق لا باعتبار ذاته ، بل تبعا لغيره ، أو الكائن في الأعيان ، لا بالاستقلال بل تبعا لغيره ، ويمكن دفع الأخيرين : بأن المراد بالتحقق الذي يتصور عروضه للمعدوم دون الواسطة ، هو التحقق بالاستقلال ، وأن الواسطة تكون أقرب إلى الوجود من حيث (٣) أن التحقق بالتبعة حاصل له بالفعل.
__________________
(١) في (أ) بزيادة لفظ (التلخيص).
(٢) في (ب) يصيرونه بدلا من (يجعلونه).
(٣) في (ب) من أن جهة التحقق بدلا من (حيث).