الفلاسفة : أن الماهيات ليست بجعل الجاعل ، وحاصله : أنهم وجدوا تفرقة بين الممتنعات والمعدومات الممكنة فإن لها ماهيات تتصف بالوجود تارة ، وتتعرى عنه أخرى بحسب حصول أسباب الوجود ولا حصولها ، فعبروا عن ذلك بالشيئية والثبوت في الخارج.
وأما الثاني : فهو (١) أنهم وجدوا بعض ما يتصف به الموجود كوجود الإنسان ، وإيجاد الله تعالى إياه ، وعالمية زيد ، ولونية السواد ، قد قام الدليل على أنه ليس بموجود ، ولم يكن لهم سبيل إلى الحكم بأنه لا تحقق له أصلا لما رأوا الموجودات تتصف به سواء : وجد اعتبار العقل أو لم يوجد على أنه لو وجد اعتبار العقل وفرضه فهو عندهم ليس بموجود في العقل ، فجزموا بأن لهذا النوع من المعاني تحققا ما في الخارج ، وليست بموجودة ولا معدومة بل واسطة ، وسموه بالحال توضيحه : أنه (٢) إذا صدر المعلول عن العلة ، فنحن نجد في كل منهما صفة كانت معدومة قبل الصدور ، أعني الموجدية والوجود ، فلا تكون حينئذ معدومة ، ضرورة التفرقة بين الحالين ، وقد قام الدليل على أنها ليست بموجودة فتكون واسطة.
(قال : وأما ابتناء ذلك (٣) على أنهم (٤) لم يجعلوا تقابل العدم والوجود ، وتقابل السلب والإيجاب (٥) ، بل العدم والملكة. إذ العدم ارتفاع ما من شأنه الوجود (٦) ، فجعلوا (٧) المفهومات الاعتبارية : التي لا يتصور عروض الوجود لها لا موجودة ، ولا معدومة فإنما يصح ذلك (٨) إذا لم يجعل الممتنع معدوما).
__________________
(١) في (ب) فإنهم بدلا من (فهو).
(٢) في (ب) سقط لفظ (أنه).
(٣) أي الاثبات للواسطة.
(٤) الذين أثبتوا الواسطة.
(٥) أي النفي والثبوت.
(٦) فالإنسان لما كان من شأنه الوجود ، أي يقبل أن يوجد وكذا البياض لقبوله الوجود ، كان ارتفاع كل منهما بخلاف ما لا يقبل الاتصاف بالوجود الخارجي كالنسب والإضافات مثل التأثير والتأثر والعلية والمعلولية فلا تقبل أن تكون موجودة في الخارج لأنها اعتبارية محضة ، فليس ارتفاعها عن الخارج عدما.
(٧) في (أ) فجهلوا.
(٨) سقط من (أ) لفظ ذلك.