ولما كان هذا ظاهر البطلان. بناء على أن القابل للمتقابلات ، والجزء من الأشخاص يتصف بالعوارض لا محالة ، وأنه هو الماهية لا بشرط شيء لا الماهية بشرط لا شيء ، وأن الوجود من العوارض.
فالقول بوجود المجردة تناقض. اللهم إلا أن تقيد العوارض بغير الوجود ، أو يجعل الوجود نفس الماهية.
قال الفارابي (١) في كتاب الجمع بين رأي أفلاطون وأرسطو أنه إشارة إلى أن للموجودات صورا في علم الله تعالى باقية لا تتبدل ولا تتغير. وقال صاحب الإشراق (٢) وغيره ، أنه إشارة إلى ما عليه الحكماء المتألهون ، عن أن لكل نوع من الأفلاك والكواكب والبسائط العنصرية (٣) ومركباتها جوهرا مجردا من عالم العقول يدبر أمره (٤) ، حتى إن الذي لنوع النار هو الذي يحفظها وينورها ، ويجذب الدهن والشمع إليها ، ويسمونه رب النوع ، ويعبر عنه في لسان الشرع ، بملك الجبال ، وملك البحار ونحو ذلك. ومع الاعتراف بكونه جزئيا يقولون. إنه كلي ذلك النوع ، بمعنى أن نسبة فيضه إلى جميع أشخاصه على السواء ، لا بمعنى أنه مشترك بينها ، حتى يلزم أن تكون إنسانية مجردة ، موجودة في الأعيان مشتركة بين جميع الأفراد محققة في المواد ، فيكون هناك إنسان محسوس فاسد ، آخر معقول مجرد دائم ، لا يتغير أبدا. ثم هذا غير المثل المعلقة التي يسمونها عالم الأشباح المجردة ، فإنها لا تكون من الجواهر المجردة ، بل كالواسطة بين المحسوس والمعقول ، ولا تختص بأنواع
__________________
(١) الفارابي : سبقت الترجمة له في هذا الجزء.
(٢) هذا الكتاب : يسمى إشراق المآخذ للإمام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي المتوفى سنة خمس وخمسمائة ، ذكره صاحب كشف الظنون ج ١ ص ١٠٤.
(٣) القضية البسيطة في المنطق خلاف المعدولة ، فالبسيطة هي التي موضوعها اسم محصل ، ومحمولها اسم محصل. أما. القضية المعدولة : فهي التي موضوعها أو محمولها اسم غير محصل :
(٤) كل هذا فاسد. وهو مما لم يقم عليه دليل ولا يصح عقلا ولا نقلا بل الكل لله الواحد القهار وتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.