وجيزة أن يطوي تلك البلاد ، ويجعلها تحت قبضته ، ودارت بينه وبين الجيش العثماني معركة ضارية على حدود أنقرة ، انتصر فيها (تيمور لنك) على الجيش العثماني ، وبذلك أصبحت بلاد الشام ممهدة أمام جيشه لو لا أن تداركها الله سبحانه وتعالى بالجيش المصري الذي أوقع بالتتار هزيمة منكرة ، وردهم على أعقابهم خاسرين.
وبالجملة فإن البلاد الإسلامية في ذلك الوقت كانت ممالك صغيرة ، يحكمها أمراء من العجم والمماليك ، ولم يكن للخلافة في ذلك الحين غير الاسم والرسم ، ومن الأدلة على ذلك ، أنه حدث في عام ٧٣٧ ه أن السلطان الناصر محمد بن قلاوون (١) ، اعتقل الخليفة المستكفي بالله (٢) ، ومنعه من الاجتماع بالناس ، ثم أفرج عنه بعد ذلك ، ولكنه ما لبث أن نفاه مع أهله وذويه إلى بلدة قوص من أعمال الصعيد ، وبقي الخليفة بها إلى أن مات.
من هنا نستطيع أن نقول : إن القرن الثامن الهجري ، لم يكن خيره عاما بالنسبة للمسلمين ، فالخطر يحدق بهم من كل جانب ، وآثار الدمار والخراب التي أوجدها المغول في كثير من البلاد الإسلامية ، لا تزال ماثلة أمام أعينهم ، لقد كانت تحيط بهم وتكاد تكتم أنفاسهم ، عوامل مضللة خانقة ، يشنها عليهم أتباع الوثنية والزندقة ، وأنصار الصليب والإلحاد ، وكوكبة ضارية من جنود إبليس ، وفرق الضلال.
ومع ذلك كله ، فلقد استطاع المسلمون في هذا العصر ، أن يجتازوا المحن
__________________
(١) هو الملك الناصر محمد بن قلاوون عبد الله الصالحي ، له آثار ضخمة ، وتاريخ حافل بجلائل الأعمال ولي سلطنة مصر والشام سنة ٦٩٢ ه. وخلع منه ثم عاد وبقي فيها إلى موته سنة ٧٤١ ه وامتلك قيادة الدولة فخطب له بمصر وطرابلس والمغرب والشام والحجاز والعراق وديار بكر والروم.
انظر السلوك للمقريزي وتاريخ ابن كثير ١٤ ـ ٤٧ والدرر الكامنة ٤ ـ ١٤٤.
(٢) هو سليمان الملقب بالمستكفي بالله ابن المسترشد بالله الهاشمي ، البغدادي المصري الملقب بالحاكم بأمر الله.
(راجع البداية والنهاية لابن كثير ١٤ ـ ١٩).