الأيام ، جعل علماء المسلمين ، يرصدون هذه الحوادث بدقة ، ويتتبعون جزئياتها ، بعين لماحة وفكر متقد ، لتتخذ من ذلك الأجيال اللاحقة دروسا وعبرا ، فظهر المؤرخون العمالقة ، أمثال العماد ابن كثير (١) في موسوعته التاريخية (البداية والنهاية) وابن حجر العسقلاني (٢) في كتابيه المحلقين (الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة). وكتاب (أنباء الغمر) وابن خلدون (٣) (مفخرة العرب) في دائرة معارفه الكبرى المسماة (العبر) وديوان (المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر) وغير هذا كثير. ولو ذهبنا نعدد صنوف المعرفة التي أنتجتها عقول المفكرين في هذا العصر ، لأعيانا الحصر والعد ، ويكفي أن نقول في النهاية ، إن عصر التفتازاني العلمي هو عصر عمالقة الرجال ، وأفذاذ المفكرين الأبطال.
__________________
(١) هو : إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضو بن درع القرشي البصروي ثم الدمشقي أبو الفداء. عماد الدين ، حافظ مؤرخ فقيه ، ولد في قرية من أعمال بصرى والشام وانتقل مع أبيه إلى دمشق سنة ٧٠٦ ه ورحل في طلب العلم وتوفي بدمشق عام ٧٧٤ ه. له مصنفات كثيرة منها البداية والنهاية ، وتفسير القرآن الكريم ، والاجتهاد في طلب الجهاد وغير ذلك.
(راجع الدرر الكامنة ١ : ٣٧).
(٢) هو أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني أبو الفضل. شهاب الدين ابن حجر من أئمة العلم والتاريخ ، أصله من عسقلان بفلسطين ومولده ووفاته بالقاهرة ولع بالأدب والشعر ثم أقبل على الحديث ، ورحل إلى اليمن والشام وإلى الحجاز وغيرهما. له تصانيف كثيرة منها الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ولسان الميزان ، والإحكام لبيان ما في القرآن من الأحكام وتقريب التهذيب ، والإصابة في تميز أسماء الصحابة ، وتهذيب التهذيب وغير ذلك. توفي عام ٨٤٢ ه.
(٣) هو عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن خلدون أبو زيد ولي الدين الخضرمي الاشبيلي من ولد وائل ابن حجر ، الفيلسوف المؤرخ العالم الاجتماعي البحاثة. أصله من إشبيلية ومولده ومنشأه بتونس ، رحل إلى فارس وغرناطة وتلمسان والأندلس ، وتولى أعمالا واعترضته دسائس ووشايات ، جاء إلى مصر فأكرمه سلطانها الظاهر برقوق ، وولي فيها قضاء المالكية ولم يتزي بزي القضاء محتفظا بزي بلاده. من تصانيفه : العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر ، ورسالة في المنطق ، وله شعر توفي عام ٨٠٨ ه.
(راجع الضوء اللامع ٤ : ١٤٥).