وذلك يتوقف على تعيين واسطة بين الحق والخلق نبيّا كان أو إماما يعلمهم ذلك لاستحالة الإفاضة والانتفاضة بلا واسطة ، إذ لا ربط ولا نسبة بين النور والظلمة وكمال الكمال ومنتهى النقص فتستحيل المشاهدة والمكالمة إلا بالواسطة ، كما قال تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ). وإنما كان الواسطة قابلا لذلك لأن له جهتين نورانية وجسمانية ، كما قالصلىاللهعليهوآلهوسلم : أول ما خلق الله نوري ، وقوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ).
الثالث : أنه كما لا بدّ في العناية الإلهية لنظام العالم من المطر ، ورحمة الله لم تقصر عن إرسال الماء مدرارا لحاجة الخلق ، فنظام العالم لا يستغني عمن يعرفهم موجب صلاح الدنيا والآخرة ، نعم من لم يهمل إنبات الشعر على الحاجبين المزينة وكذا تقعير الأخمص في القدمين ، كيف اهمل وجود رحمة للعالمين مع أن ما في ذلك من النفع العاجل والسلامة في العقبى والخير الآجل ، ولم يترك الجوارح والحواس حتى جعل لها رئيسا يصحح لها الصحيح ويتقن به ما شكت فيه وهو الروح ، كيف يترك الخلائق كلهم في حيرتهم وشكهم وضلالهم ، لا يقم لهم هاديا يردون إليه شكهم وحيرتهم كما تقدم.
ويجب أن يكون ذلك الواسطة إنسانا لأن مباشرة الملك لتعليم الإنسان على هذا الوجه مستحيل ، كما قال الله عزوجل : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) ، ودرجة باقي الحيوانات أنزل ولأن خوارق العادات لا تحال عليهم والنفوس لا تركن إلا إلى أبناء نوعهم ، ولنهاية المباينة بين الإنسان الناسوتي والملك الملكوتي ، ولا يمكن الاستغناء عن الأنبياء بتوجيه الخطاب من الله تعالى بخلق الأصوات وإيجاد الكلمات لقيام الوجوه والاحتمالات وضعف عقول سائر الناس واحتمالهم أن يكون صدور ذلك من بعض الجان أو الشيطان