ظواهر الحياة وما هي في الحقيقة إلا عوامل الموت لأنها لا تتم إلا بإتلاف أجزاء انسجتنا البدنية وأليافنا العضوية فنحن في ساعة نموت ونحيا ونقبر وننشر حتى تأتينا الموتة الكبرى ونحيا الحياة الاخرى.
وعليه فإننا في وسط تنازع هذين العاملين عامل الإتلاف والتعويض يفني جسمنا ويتجدّد في مدار الحياة عدّة مرات بمعنى أن جسمنا الذي نعيش به من بدء ولادتنا الى منتهى أجلنا في هذه الحياة تفنى جميع أجزائه في كل برهة وتتحصّل أجزاء يتقوّم بها هذا الهيكل وليس فيها جزء من الأجزاء السابقة ولا يمكن تقدير هذه البرهة على وجه التحقيق يعني في أي مقدار به تتلاشى تلك الأجزاء جميعا وتجدد غيرها بموضعها.
والمنسوب الى العالم الفسيولوجي (مولينت) أن مدة بقائها ثلاثين يوما ثم تفنى جميعا أما المنقول عن (فلورنس) بأن المدة هي سبع سنين وقد أجرى العلماء المحققون في هذه الأمصار الامتحانات الدقيقة في بعض الحيوانات كالأرانب وغيرها فأثبت لهم البحث والتشريح تجدد كل انسجتها بل وحتى عظامها ذرّة ذرّة في مدة معيّنة.
وإذا ثبت هذا التغير ثبت وجود النفس المجردة بسهولة من قوة التذكر والتفكر فلو كانت قوة التذكر والتفكر مادية قائمة في خلايا الدماغ وأنها الجسد أو جزء من الجسد لكان اللازم أن تضطر في كل سبع سنين الى تجديد كل ما علمنا وتعلمناه سابقا.
والوجدان عندنا أن تجدد المادة المتواصل لم يندثر بسبب التفكر والتذكر منّا ولم يحدث أدنى تغير في ذاكرتنا ولم تخب أي شعلة من علومنا ومعارفنا وهو أقوى دليل على وجود قوة فينا مدركة شاعرة مجردة عن المادة باقية بذاتها مستقلة في وجودها بقيمومية مبدئها محتاجة الى آلاتها في تصرفها متحدة معها في أدنى مراتبها وأن دثور المادة لا يستوجب دثورها ولا دثور شيء من كمالاتها وملكتها ولا من مدركاتها ولا من معلوماتها كيف لا ولا تزال تخطر على بالنا