المحركة للقوى الحيوانية العاملة في بنائه وحفظه وتخريبه وتجديده كالجاذبة والهاضمة والدافعة والماسكة وغيرها لا يزال في هدم وبناء وإتلاف وتعويض كما قال الشاعر الحكيم في بيته المشهور :
المتلف الشيء ضامنه |
|
وقاعدة المتلف ضامن |
وفي بيان أوضح أن علماء (الفزيولوجيا) علم أعضاء الحيوان قد ثبت عندهم تحقيقا أن كل حركة تصدر من الانسان بل ومن الحيوان يلزمها يعني تستوجب احتراق جزء من المادة العضلية والخلايا الجسمية ، وكل فعل إرادي أو عمل فكري لا بدّ وأن يحصل منه فناء في الأعصاب وإتلاف من خلايا الدماغ بحيث لا يمكن لذرة واحدة من المادة أن تصلح مرتين للحياة. ومهما يبدو من الإنسان بل مطلق الحيوان عمل عضلي أو فكري فالجزء من المادة الحية التي صرفت لصدور هذا العمل تتلاشى تماما ثم تأتي مادة جديدة تأخذ محل التالفة وتقوم مقامها في صدور ذلك العمل مرة ثانية وحفظ ذلك الهيكل من الانهيار والدمار ، وهكذا كلما ذهب جزء خلفه آخر خلع ولبس كما قال عز شأنه : «أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد». ويكون قدر هذا الإتلاف بمقدار قوة الظهورات الحيوية والأعمال البدنية فكما اشتد ظهور الحياة وتكثرت مزاولة الأعمال الحاجية ازداد تلف المادة وتعويضها وتجديدها.
ومن هنا تجد أرباب الأعمال اليدوية كالبنائين والفلاحين وأضرابهم أقوى أجساما وأعظم أبدانا بخلاف ذوي الاعمال الفكرية الذين تقل حركاتهم وتسكن عضلاتهم ثم إن هذا التلف الدائم لا يزال يعتوره التعويض المتصل من المادة الحديثة الداخلة في الدم المتكوّن من ثلاث دعائم من دعائم الحياة واسسها الجوهرية الهواء والماء والغذاء ولو فقد الانسان واحدا منها ولو بمدّة قصيرة هلك وفقدت حياته.
وهذا العمل التجديدي عمل باطني سرّي لا يظهر في الخارج إلا بعد دقة في الفكر وتعمّق في النظر ولكن عوامل الاتلاف ظاهرة للعيان يقال عنها أنها