وقال شيوخ المعتزلة أنه يوضع ميزان حقيقي له كفتان يوزن به ما يتبين من حال المكلفين في ذلك الوقت لأهل الموقف بأن يوضع كتاب الطاعات في كفة الخير ويوضع كتاب المعاصي في كفة الشر ويجعل رجحان احدهما دليلا على إحدى الحالتين أو بنحو من ذلك لورود الميزان سمعا ، والأصل في الكلام الحقيقة مع إمكانها ، وقال عباد وجماعة من البصريين وآخرون من البغداديين المراد بالموازين العدل دون الحقيقة انتهى كلامه.
والتحقيق في المقام أن يقال أن أكثر المفسرين والمتكلمين من العامة والخاصة حملوا على ظاهرها وان الله تعالى في القيامة ينصب ميزانا له لسان وكفتان ، فتوزن به أعمال العباد الحسنات والسيئات ، ثم اختلف هؤلاء في كيفية الوزن حيث أن الأعمال اعراض لا يجوز عليها الإعادة ولا يكون لها وزن ولا تقوم بأنفسها ، فقيل توزن صحائف الأعمال. وقد روى العامة عن ابن عمر أنه سئل رسول الله عما يوزن يوم القيامة؟ فقال : الصحف ، وقيل إن الموزون في الآخرة نفس الأعمال والاعتقادات لأن الأعمال تتجسم في النشأة الاخروية ، كما ورد في أحاديث كثيرة من طرق المخالف والمؤالف ، بل قال بعض أرباب العرفان : أن الحيّات والعقارب والنيران التي تظهر في القبر والقيامة هي بعينها الأعمال القبيحة والأخلاق الذميمة والعقائد الباطلة ، كما أن الروح والريحان والحور والثمار هي الأخلاق الزكية والأعمال الصالحة والاعتقادات الحقة ، إذ الحقيقة الواحدة تختلف صورها باختلاف الأماكن فتحلّى في كل موطن بحلية وتتزين في كل مقام بزي.
وقال الشيخ البهائي (ره) : الحق أن الموزون في الآخرة هو نفس الأعمال لا صحائفها ، وقال العلامة المجلسي (ره) : جميع الأحوال والأفعال في الدنيا تتجسم وتتمثل في النشأة الاخرى ، وذهب بعض من متكلمي الخاصة والعامة