بالإنسان وخلق جميع الموجودات من أجلها ولنسم هذه دليل العناية ، والطريقة الثانية ما يظهر من اختراع جواهر الأشياء الموجودات التي هاهنا موافقة لوجود الإنسان والأصل الثاني أن هذه الموافقة هي ضرورة من قبل فاعل قاصد لذلك مريد إذ ليس يمكن أن تكون هذه الموافقة بالاتفاق فاما كونها موافقة لوجود الإنسان فيحصل اليقين بذلك باعتبار موافقة الليل والنهار والشمس والقمر لوجود الإنسان وكذلك موافقة الأزمنة الأربعة والفصول الأربعة له والمكان الذي هو فيه أيضا وهو الأرض وكذلك تظهر أيضا موافقة كثير من الحيوان له والنبات والجماد وجزئيات كثيرة مثل الأمطار والأنهار والبحار وبالجملة الأرض والماء والنار والهواء ، وكذلك أيضا تظهر العناية في أعضاء البدن وأعضاء الحيوان أعني كونها موافقة لحياته ووجوده في الجملة فمعرفة ذلك أعني منافع الموجودات داخلة في هذا الجنس ، ولذلك وجب على من أراد أن يعرف الله تعالى المعرفة التامة أن يفحص عن منافع الموجودات ، وأما دلالة الاختراع فيدخل فيها وجود الحيوان كله ووجود النبات ووجود السموات وهذه الطريقة تتبين على أصلين موجودين بالقوة في جميع فطر الناس أحدهما أن هذه الموجودات مخترعة وهذا معروف بنفسه في الحيوان والنبات كما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) فإنا نرى أجساما جمادية ثم تحدث فيها الحياة فنعلم قطعا أن هاهنا موجدا للحياة ومنعما بها وهو الله تبارك وتعالى ، وأما السموات فنعلم من قبل حركاتها التي لا تفلت أنها مأمورة بالعناية بما هو هاهنا ومسخرة لنا والمسخر المأمور مخترع من قبل غيره ضرورة ، وأما الأصل الثاني فهو أن كل مخترع فله مخترع فيصح من هذين الأصلين أن للموجود فاعلا مخترعا له ، وفي هذا الجنس دلائل كثيرة على عدد المخترعات ، ولذلك كان واجبا على من أراد معرفة الله حق معرفته أن يعرف جواهر الأشياء ليقف على الاختراع الحقيقي في جميع الموجودات لأن من لم يعرف حقيقة الشيء لم يعرف حقيقة الاختراع وإلى هذه الإشارة بقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ).